المهمة ستكون سريعة ومحددة وستنتهي في أقرب وقت بهذه المعلومات البسيطة، توجه آلاف جنود الاحتلال ترافقهم آلياتهم وذخائرهم وتغطيهم طائراتهم لخوض حرب وصفها قادتهم بأنها الحرب الكبرى ولكن ما كان على الأرض أذهل الجنرالات قبل الاحتياطيين.
ستة وعشرون يوماً مضت والمهمة لم تنتهي بعد، والأهداف لم تتحقق، والتوقعات خيبت كل الآمال هكذا يصفون جنود الاحتلال الذين طالما أطلقو على أنفسهم الجيش الذي لا يقهر الحرب على لبنان، قتل ودمار وهلع وخوف....
جندي المشاة الإسرائيلي ألون غلينك 20 عاماً يصف طبيعة المهمة الخاصة التي ذهب برفقة جنود آخرين لتحقيقيها فيقول كنا نقيم في موقع لنا أقمناه بالقرب من قرية لبنانية وبعد يوم واحد من إقامتنا في هذا المكان بدأنا بسماع صورايخ حزب الله وهي تنفجر على مسافة اقرب ثم أقرب منا ، إلى إن ارتطم أحدها بأرض لا تبعد عنه سوى أمتار.
وكان هناك وميض وارتجاج رمى به إلى الأرض فزحفت مرتعدا بحثا عن الأمان، وأنا أسب وألعن وفجأة سمعت صراح جندي قريب مني يصرخ ويقول لن أعود إلى لبنان ... لن أعود إلى لبنان لم يصب أحد منا بأذى في هذا اليوم لكن كنا خائفين ومذهولين نتساءل كيف تكمنوا من معرفة مكان تواجدنا ونحن من يبحث عنهم.
ويضيف غلينك في اليوم الثاني قرر ضابط وحدتنا الخروج من المنطقة والانتقال إلى مكان أخر فأمضينا طوال النهار والليل مشياً على الأقدام، للوصول إلى قرية أديسا التي تبعد عدة أميال عن الحدود، لنجد أنفسنا في مدينة أشباح. وشارعا بعد شارع انتقلنا إلى وضع استولينا فيه على عدد من البيوت المبنية من الحجر القديم محتمين من هجمات حزب الله التي يمكن أن تصيبنا فكانت أيامنا التي قضيناها هناك خوف ورعب ونحن نتلفت يميناً ويساراً ننتظر النهاية فتيقن حينها أن قادتنا خذلونا.
حال الجندي الإسرائيلي غلينك لم يكن أفضل حال من العريف شموئيل وأونيل 21 عام الذي بدأ حديثه بالقول إن البيت اللبناني الذي كنت متمركزا فيها كاد يضرب على يد حزب الله. ومع ضجيج المعركة حوله، التزمت بموقعي ووضعت على رأسي الخوذة وبقيت حاملا سلاحي بيدي.
وأضاف «اهتز البيت مع تصاعد الانفجارات واقترابها مني أنت لا تعرف كم هي منك وما إذا كانت ستحدث دمارا كبيرا أم أنها مجرد أصوات لإخافتك.
وقال أونيل إن أول ما قام به بعد خروجه من لبنان هو مكالمة أمه في كاليفورنيا. وأضاف أنه لم يتصور قط حينما التحق بالجيش الإسرائيلي قبل عامين، أن الوضع سيكون مخيفا في لبنان.
وأضاف اونيل الذي ينتمي لأسرة عسكرية ويعتقد أن القتال من اجل إسرائيل هو واجب ديني لقد كان شيئا نتبادل المزاح حوله ستصبح هذه الحرب الكبرى، والآن أصبحت غريبة تماما وفوجئنا بصمود مقاتلي حزب الله.
وأوضح في ما يتعلق بوصول القوات الإسرائيلية للقرى اللبنانية اعتقد أن الجيش فوجئ في البداية وعندما تصل نكتشف مخابئ لم تكن لدينا أي فكرة عن وجودها، وصواريخ تنطلق لا تستطيع معرفة مصدرها، الأمر في غاية الصعوبة. تصفها بأنها حرب عصابات، وتعتقد أن بضعة رجال يقومون بعملية ما ولكن هؤلاء الناس في غاية التنظيم.
ما تحدث به العريفان غلينك وأونيل كان محل إجماع عدد كبير من جنود الاحتلال الذين قالوا إن مقاتلي حزب الله غالبا ما يهاجموا من مسافة بعيدة، مستخدمين الصواريخ ونيران القناصة.
الجنود أشاروا إلى أنهم وجدوا حزب الله أكثر فعالية كقوة قتالية من المقاومين الفلسطينيين الذين اعتادوا على مواجهتهم.
وأضافوا مع الفلسطينيين يكون القتال عادة عملية بوليسية في أراض مألوفة وتتضمن احتلالا واعتقالات مع هجمات جوية من وقت إلى آخر، حسبما قال الجنود لا هجوما مدرعا شاملا مثلما يتطلب الأمر مع حزب الله إننا نقاتل جيشا منظما حقيقيا. هؤلاء هم أناس يعرفون جيدا ما يقومون به.
هذه الاعترافات الصريحة من جنود الاحتلال ممن خاضوا الحرب وعلموها أكدت اعترافات سابقة كان قد تحدث بها ضباط إسرائيليين قبيل دخولهم لساحة القتال عندما قالوا إنهم يقومون بنزع رتبتهم العسكرية من على أكتفاهم، خشية أن يكونوا هدفاً أكثر إغراء لمقاتلي حزب الله.
الضباط برروا ما يقومون به بالقول :' إنه ليس من الجيد أن تذهب إلى لبنان ورتبتك العسكرية على كتفك، لأنّ حزب الله يبحث عن الضباط لإصابتهم، كما أنّ احتمال إصابتك برصاصة وأنت تحمل الرتبة أعلى منه في حالة إزالتك إياها'.