لم يكن الهدف من صفقة الإنقاذ الأوروبية لليونان هو منعها من الإفلاس، إذ إنه بالرغم من كل إجراءات التقشف والإصلاحات الهيكلية التي تطالب بها الخطة فإن حجم المساعدات لن يستطيع تحقيق هذا الهدف.
أما الهدف الحقيقي فهو وقف ارتفاع سعر الفائدة على سندات الحكومة اليونانية ومنع تفشي الأزمة في الاقتصادات الأخرى الضعيفة في منطقة اليورو.
ويقول ولفغانغ مونشو وهو أحد كتاب الأعمدة في صحيفة فايننشال تايمز اللندنية إنه برغم تلك الحقائق لم يكن لمنطقة اليورو أن تستمر دون تقديم حزمة الإنقاذ هذه.
ويؤكد في تحليل نشرته الصحيفة اليوم الاثنين أنه برغم استعداد اليونان لقبول برنامج قاس لترشيد الإنفاق فإنها لن تستطيع الإفلات من براثن الأزمة دون شطب بعض الديون.
ولم يجرؤ صندوق النقد الدولي ولا المجموعة الأوروبية على طرح مثل هذا الخيار الذي يفتح عش الدبابير. فهذا الموضوع بالتأكيد لا يمكن طرقه وسط أزمة تحل حاليا بسوق السندات.
إن إعادة هيكلة الديون ستكون ضرورية في نهاية الأمر إذ إن نسبة المديونية اليونانية إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تصل حاليا إلى 125% سترتفع إلى ما بين 140 و150% خلال فترة تكيف اليونان مع الوضع الجديد. وبدون إعادة هيكلة الديون فإن الأمر سينتهي باليونان إلى التقشف الشديد والعجز.
إن القرار بمساعدة اليونان على الابتعاد عن الاستدانة من الأسواق لمدة ثلاث سنوات سيمنعها من الانهيار بصورة سريعة لكن أثره على قدرتها المالية في المستقبل سيكون ضعيفا.
وإن الفرضية التي قامت عليها اتفاقية حزمة الإنقاذ هي أن اليونان سوف تستطيع تحمل فترة من التقشف تستمر إلى ما بعد مدة الاتفاقية دون أن تقع في وهدة عميقة.
لكن هذه الفرضية متفائلة. فقد أشارت مؤسسة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز في الأسبوع الماضي إلى أن اليونان لن تعود إلى مستوى النمو الاقتصادي الاسمي الذي سجل عام 2009، حتى عام 2017.
الحلقة المفرغة
وما حدث في الأسبوع الماضي أعطى مثالا لما عليه الحلقة المفرغة في هذه الأزمة. فأول ما يحدث هو تدهور مالية الدولة ثم تقوم مؤسسات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف ديونها مما يؤدي بالتالي إلى رفع الفائدة عليها، وهذا في حد ذاته يدفع باتجاه تدهور آخر لوضعها المالي, وهكذا.
ثم هناك حلقة أخرى مفرغة تجري في النظام المصرفي. ففي حال دارت الشكوك حول مالية دولة ما فإن نفس الشكوك ستحيط ببنوكها التي تضمن الحكومة تبعاتها. وفي الأسبوع الماضي انقطع النظام المصرفي في مناطق كبيرة في جنوب أوروبا عن أسواق رأس المال ومنع من الوصول إلى الأموال.
ويضيف ولفغانغ مونشو أنه يعتقد أن الرقم الذي ستحتاجه اليونان والبرتغال وإسبانيا وأيرلندا، وقد تضاف إليها إيطاليا، قد يصل إلى ما بين 500 مليار يورو (665 مليار دولار) وتريليون يورو. فكل هذه الاقتصادات الضعيفة في منطقة اليورو تواجه زيادة في سعر الفائدة على ديونها في وقت لا تزال في الركود أو لم تكد تخرج منه.
وبالطبع فإن القطاع الخاص في هذه الدول في مثل هذا الوضع لن يستطيع تحمل هذه الزيادة.
ويقول مونشو إن هناك ثلاثة أمور يجب على منطقة اليورو تنفيذها من أجل التغلب على الأزمة على المدى المتوسط: أولا إيجاد نظام لحل الأزمة، ثانيا تحسين آليات التنسيق بين السياسات المالية، ثالثا إيجاد سياسات لخفض الاختلالات المالية بين الدول الأعضاء.
لكن هذا العلاج هو الحد الأدنى الذي ستحتاجه المنطقة للاستمرار خلال السنوات القليلة القادمة. أما بعد ذلك فإن المنطقة ستحتاج بدون شك إلى اتحاد مالي عضوي وسندات أوروبية موحدة.
الاختيار التاريخي
وقد أصبحت هذه المتطلبات ضرورية ولا بديل عنها بعد أن فشلت تجربة الاتحاد النقدي بدون اتحاد سياسي. ولذلك فإن على الاتحاد الأوروبي أن يواجه الاختيار التاريخي بين التكامل أو التفسخ.
إن من المؤكد أن ألمانيا ستقف ضد طرق العلاج تلك، وأن الزعماء الأوروبيين سيلجؤون في كل أزمة إلى الآلية المتاحة: وهي ضخ السيولة المقترضة في الأصل. لكن لهذه الطريقة عمرا افتراضيا محددا. فإذا لم توقفها المعارضة الشعبية فإن التشريع الدستوري سيفعل ذلك.
فما هي إذن نهاية أزمات منطقة اليورو؟
بالنسبة لليونان فإن الحل يكمن في إعادة هيكلة الديون وهو ما يعني بلغة أكثر تأدبا إعادة التفاوض بشأن التخلف عن السداد أو الإفلاس. أما فيما بعد ذلك أو فيما يتعلق بالنتائج الأعمق والأشمل فإنه يصعب التكهن، فإما أن يكون الإصلاح العميق للنظام أو انفراط العقد.
تعليق