أيّها المسلِمون، التأريخُ في ظاهِرِه لا يزيدُ عن إخبارٍ، وفي بَاطِنه نظرٌ وتحقيق واعتِبار، وساعةُ الاستبصار في هذه القاعدةِ والتدقيق يؤُمّنا جليًّا كَونُ الأمَم المزهُوَّة تمجُد بدَساتيرها المتلُوَّة وقوانِينِها المنتَخَبة المجلوَّة ونُظُمِها التي انطوَت غاياتِها المرجُوَّة، ومع ذيَّاك التماجُد والازدِهاء هي عَاطِلةٌ عن إمدادِ العالم بالأمنِ والاستِقرار والسّلام وإحياءِ مواتِه بالتراحُم والمودَّة والوِئام، بل ما زادَته إلاّ اقتتالاً وإبادَةً للأرواح واغتيالاً.
بيدَ أنَّ شريعةَ الملك الديّان التي سطَعت في سماءِ العزة والكمال وجوزَاءِ الإحكام والجلال قد تنزَّلت بحمد الله بالدستورِ الخالد الأعمّ والمنهاج الشاملِ الأتمّ، وذلك بما جمَعَت في ثِنيَيها مِن قواعدِ الأحكام ومصالحِ الأنَام وأصولِ العقائد ودعائمِ الأخلاقِ والسّلوك وأُسُس السياسة الشرعية ومبادئ الاتفاقِ والاجتماع بما يَشوقُ النُّظّار ويشنِّف الأسماعَ وما يعمِّم البركات في شتى الأصقاع، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]؛ متوخِّيَةً في أسِّها وعمادِها وروحِها وسِنادِها شِرعةَ المقاصد السامِية، وفي الطليعةِ منها حفظُ الضرورات الخمس: الدين والنفس والعقل والمال والنسل، على ما قرَّره علماء الشريعة، ومنهم الشاطبيّ رحمه الله في موافقاته.
أمَّا حفظُ الدِّين فيتمثَّل في حفظِ العقائد والعبادات من البدع والشركيّات، والأحكام عن التحريفِ والضالات، والمعاملاتِ عن الإسراف والمغالاَة، مع تَثبِيتِها في القلوبِ لعِبادة علامِّ الغيوب، وصِيانةِ الديانة وحماية الملّة من تيّارات الإلحاد والزندقة وموجات الانحراف العقديِّ والفكريّ التي تنال ثوابتَها وتمسّ جوهرَها وتطال رموزَها الذين ينفُون عن دين الله تحريفَ الغالين وانتحالَ المبطلين وتأويلَ الجاهلين؛ إذ لا يستَقِيم للأمم من دونها حال، وأنَّى تفلِح إن أعوَزها الدين في العاجل والمآل؟!
معاشرَ المسلمين، ومحوَرُ تلك المقاصد وعنوانها وجَوهرُها بعد حفظِ الدين وإنسانُها حِفظُ النفسِ البشريّة التي كرَّمها الله وشرَّفها، وصانها بأبلغ الحدود والزوَاجر فعرَّفها، وجعَلها قالَبَ حِفظ الدين ووِعائه الثمين، ونوَّه بها في لَذيذ خطابِه وأقسَم بها في محكَم كتابه، فأعلى شأنها وزكّاها، فقال عزَّ مِن قائل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشمس: 7]، وقال جلَّ اسمه: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمِية رحمه الله: "أمرُ الدماء أخطرُ وأعظَم من أمرِ الأموال".
أجَل يا إخوةَ العقيدة، لقد غالى الإسلامُ بالنَّفسِ الإنسانيّة المُضانَة فأحلَّها مراقِيَ العلو والكرامَة، فكان تكريمه وتبجيلُه لها أفضلَ ما عرَفته النظُم من احتفاء وتأمين، وضنًّا بها أن تُزهَق دون حقٍّ مبين، كيف وقتلُ النفس تحدٍّ لخلقِ الله وحِكمته وتعدٍّ على قدرتِه ومنَّته؟! وما كان القتلةُ ولا يزالون عبرَ التأريخ إلا الوحوشُ الكاسِرة والنفوس الغُلف الخاسِرة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الفسادُ إما في الدينِ وإمّا في الدنيا، فأعظم فسادِ الدنيا قتلُ النفوس بغير الحقّ؛ ولهذا كان أكبرَ الكبائر بعدَ أعظمِ فسادِ الدِّين الذي هو الكفر"، وقال رحمه الله: "فلا بدَّ إذا ظلم الناسَ ظالم وأخذ يسفِك دماءَ الناس ويُهلك الحرثَ والنسل ونحو ذلك من أنواع الضرَر أن يُدفَع هذا القدر، وأن يعاقَب الظالم بما يكفُّ عدوانَ أمثاله".
إخوةَ الإيمان، ولئِن اشرأبَّتِ الإنسانِيّة المرزَّأةُ بالفَواجِعِ والحروب المُرِنّة بدفائنِ الأضغانِ والخطوب إلى دروبِ السِّلم وكريمِ الحياء ونقاء السرائرِ وإشاعة الهناء ومعالجَةِ ظواهر تساهُل الناسِ بالدِّماء واستمراءِ القتل وتناثُر الأشلاءِ، حتى أصبحَت أمّتُنا عَلَى أَنباءِ إطلاَقِ النّارِ تصحو، وعلى أخبارِ القَتل والترويعِ تغفو، فإنّها واجِدتُها بأجلَى ما يكونُ الوجود وأبدَعِ ما تكون الحقائقُ المرتجاة في ملَّةِ الإسلام ومشكاة خير الأنام عليه الصلاة والسلام القائلِ: ((أوَّلُ ما يقضى بين الناس يومَ القيامة في الدماء)) أخرجه الشيخَان. علَّق الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله: "وفي الحديث عِظَم أمرِ الدّم؛ فإنَّ البَداءَةَ إنما تكونُ بالأهمّ، والذنب يعظُمُ بحَسَب عظم المفسدة وتفويت المصلحة، وإعدامُ البنيَة الإنسانيّة غايةٌ في ذلك، وقد ورَد في التغليظِ في أمرِ القتل آياتٌ كثيرة وآثار شهيرة" انتهى كلامه رحمه الله.
وآيةٌ في هديِة عليه الصلاة والسلام لا تُدفَع؛ لما وافى مكّةَ منتصرًا ظافرًا ما بسَط من الأمن والعفوِ بين يدَي شِداد مكّةَ وعُتاتها إلاّ حَسمًا للدِّماء أن تُهرَاق وحِفظًا للأنفس البريئة من الإزهاق بأبي هو وأمي ، كيف وقد أعلَنَها مجلجِلَةً للعالم أجمع بقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام)) خرجه الشيخان.
بيدَ أنَّ شريعةَ الملك الديّان التي سطَعت في سماءِ العزة والكمال وجوزَاءِ الإحكام والجلال قد تنزَّلت بحمد الله بالدستورِ الخالد الأعمّ والمنهاج الشاملِ الأتمّ، وذلك بما جمَعَت في ثِنيَيها مِن قواعدِ الأحكام ومصالحِ الأنَام وأصولِ العقائد ودعائمِ الأخلاقِ والسّلوك وأُسُس السياسة الشرعية ومبادئ الاتفاقِ والاجتماع بما يَشوقُ النُّظّار ويشنِّف الأسماعَ وما يعمِّم البركات في شتى الأصقاع، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]؛ متوخِّيَةً في أسِّها وعمادِها وروحِها وسِنادِها شِرعةَ المقاصد السامِية، وفي الطليعةِ منها حفظُ الضرورات الخمس: الدين والنفس والعقل والمال والنسل، على ما قرَّره علماء الشريعة، ومنهم الشاطبيّ رحمه الله في موافقاته.
أمَّا حفظُ الدِّين فيتمثَّل في حفظِ العقائد والعبادات من البدع والشركيّات، والأحكام عن التحريفِ والضالات، والمعاملاتِ عن الإسراف والمغالاَة، مع تَثبِيتِها في القلوبِ لعِبادة علامِّ الغيوب، وصِيانةِ الديانة وحماية الملّة من تيّارات الإلحاد والزندقة وموجات الانحراف العقديِّ والفكريّ التي تنال ثوابتَها وتمسّ جوهرَها وتطال رموزَها الذين ينفُون عن دين الله تحريفَ الغالين وانتحالَ المبطلين وتأويلَ الجاهلين؛ إذ لا يستَقِيم للأمم من دونها حال، وأنَّى تفلِح إن أعوَزها الدين في العاجل والمآل؟!
معاشرَ المسلمين، ومحوَرُ تلك المقاصد وعنوانها وجَوهرُها بعد حفظِ الدين وإنسانُها حِفظُ النفسِ البشريّة التي كرَّمها الله وشرَّفها، وصانها بأبلغ الحدود والزوَاجر فعرَّفها، وجعَلها قالَبَ حِفظ الدين ووِعائه الثمين، ونوَّه بها في لَذيذ خطابِه وأقسَم بها في محكَم كتابه، فأعلى شأنها وزكّاها، فقال عزَّ مِن قائل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشمس: 7]، وقال جلَّ اسمه: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمِية رحمه الله: "أمرُ الدماء أخطرُ وأعظَم من أمرِ الأموال".
أجَل يا إخوةَ العقيدة، لقد غالى الإسلامُ بالنَّفسِ الإنسانيّة المُضانَة فأحلَّها مراقِيَ العلو والكرامَة، فكان تكريمه وتبجيلُه لها أفضلَ ما عرَفته النظُم من احتفاء وتأمين، وضنًّا بها أن تُزهَق دون حقٍّ مبين، كيف وقتلُ النفس تحدٍّ لخلقِ الله وحِكمته وتعدٍّ على قدرتِه ومنَّته؟! وما كان القتلةُ ولا يزالون عبرَ التأريخ إلا الوحوشُ الكاسِرة والنفوس الغُلف الخاسِرة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الفسادُ إما في الدينِ وإمّا في الدنيا، فأعظم فسادِ الدنيا قتلُ النفوس بغير الحقّ؛ ولهذا كان أكبرَ الكبائر بعدَ أعظمِ فسادِ الدِّين الذي هو الكفر"، وقال رحمه الله: "فلا بدَّ إذا ظلم الناسَ ظالم وأخذ يسفِك دماءَ الناس ويُهلك الحرثَ والنسل ونحو ذلك من أنواع الضرَر أن يُدفَع هذا القدر، وأن يعاقَب الظالم بما يكفُّ عدوانَ أمثاله".
إخوةَ الإيمان، ولئِن اشرأبَّتِ الإنسانِيّة المرزَّأةُ بالفَواجِعِ والحروب المُرِنّة بدفائنِ الأضغانِ والخطوب إلى دروبِ السِّلم وكريمِ الحياء ونقاء السرائرِ وإشاعة الهناء ومعالجَةِ ظواهر تساهُل الناسِ بالدِّماء واستمراءِ القتل وتناثُر الأشلاءِ، حتى أصبحَت أمّتُنا عَلَى أَنباءِ إطلاَقِ النّارِ تصحو، وعلى أخبارِ القَتل والترويعِ تغفو، فإنّها واجِدتُها بأجلَى ما يكونُ الوجود وأبدَعِ ما تكون الحقائقُ المرتجاة في ملَّةِ الإسلام ومشكاة خير الأنام عليه الصلاة والسلام القائلِ: ((أوَّلُ ما يقضى بين الناس يومَ القيامة في الدماء)) أخرجه الشيخَان. علَّق الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله: "وفي الحديث عِظَم أمرِ الدّم؛ فإنَّ البَداءَةَ إنما تكونُ بالأهمّ، والذنب يعظُمُ بحَسَب عظم المفسدة وتفويت المصلحة، وإعدامُ البنيَة الإنسانيّة غايةٌ في ذلك، وقد ورَد في التغليظِ في أمرِ القتل آياتٌ كثيرة وآثار شهيرة" انتهى كلامه رحمه الله.
وآيةٌ في هديِة عليه الصلاة والسلام لا تُدفَع؛ لما وافى مكّةَ منتصرًا ظافرًا ما بسَط من الأمن والعفوِ بين يدَي شِداد مكّةَ وعُتاتها إلاّ حَسمًا للدِّماء أن تُهرَاق وحِفظًا للأنفس البريئة من الإزهاق بأبي هو وأمي ، كيف وقد أعلَنَها مجلجِلَةً للعالم أجمع بقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام)) خرجه الشيخان.
تعليق