الْمَوْلِدُ النَّبَوِيُّ الشَّرِيفُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي مَنَّ علَى المؤمنينَ بسيدِ الأولينَ والآخرينَ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الملِكُ الحقُّ المبينُ
القائلُ سبحانَهُ :( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ القائلُ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ »([رواه الدارمي]). اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ علَى سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحْبهِ أجمعينَ. أمَّا بعد: أيهَا السادة الأعزاء: فِي هذهِ الأيامِ المباركةِ تُطِلُّ علينَا وعلَى العالَمِ ذِكْرَى ميلادِ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذِي كانَ ميلادُهُ ميلادَ رسالةٍ وأُمَّةٍ وحضارةٍ نَضَّرَتْ وجْهَ التاريخِ، وبدَّلَتِ الأرضَ غيرَ الأرضِ، فعَمَّ الإيمانُ وانتشرَ السلامُ، وكانَ ذلكَ -علَى الراجِحِ- فِي يومِ الاثنينِ ليلةَ الثانِي عشرَ مِنْ ربيعٍ الأولِ عامَ الفِيلِ، فكانَ أَسْعَدَ يومٍ طَلَعَتْ فيهِ الشَّمْسُ، فلقَدْ وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الذِي كانَ العالَمُ فِي انتظارِهِ ليأخُذَ الناسَ إلَى الطريقِ القويمِ، وهذَا مَا بيَّنَهُ سيدُنَا جَعْفَرُ بنُ أبِي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ حينمَا سُئِلَ عمَّا كانَ يدعُو إليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: أَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحاَرِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ([رواه أحمد]). أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ ميلادَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإرسالَهُ كانَ عنايةً إلهيةً ورحمةً ربانيةً لإنقاذِ البشريةِ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ حيثُ يقول :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وهناكَ بشاراتٌ بِقُدومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ تعالَى :( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ :« دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرَأَتْ أُمِّى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ»([رواه أحمد]). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِى خَيْرِهِمْ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ بَيْتاً وَخَيْرِهِمْ نَفْساً»([رواه الترمذي]). لقَدْ كانَ ميلادُ خاتمِ النبيينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ميلاداً لحياةٍ جديدةٍ أَشْرَقَ فيهَا النُّورُ علَى مشارقِ الأرضِ ومغاربِهَا، أَشْرَقَ النُّورُ علَى البَرِّ والبَحْرِ والسَّهْلِ والجَبَلِ والإنسانِ والحيوانِ والنَّباتِ والجَماداتِ. إنَّ ذِكْرَى ميلادِ خاتمِ النبيينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم فُرْصَةٌ عظيمةٌ للتَّأَسِّي والاقتداءِ، وتجديدِ المحبةِ وحُسْنِ الاتِّباعِ، ففِي هذهِ المناسبةِ العظيمةِ نَتَذَكَّرُ جَانبيْنِ مُهِمَّيْنِ مِنْ جوانبِ حياتِهِ الشريفةِ صلى الله عليه وسلم نحنُ فِي أَمَسِّ الحاجةِ إليهِمَا، نَتَذَكَّرُ الكمالاتِ الإنسانيةَ والفضائلَ الأخلاقيةَ التِي أكرمَ اللهُ تعالَى بِهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم إنساناً معَ الناسِ، يتعاونُ فِي أُمورِ العيشِ وتكاليفِ الحياةِ معَ أهلِهِ وجيرانِهِ وسائرِ قومِهِ، يُوَاسِي قرابتَهُ، ويُحْسِنُ إلَى خَدَمِه، ويُكْرِمُ ضَيْفَهُ، ويبَرُّ إخوانَهُ وأصدقاءَهُ، ويعامِلُ غيرَ المسلمينَ بالحسنَى وينهَى عَنْ ظُلمِهِمْ أَوِ الإساءةِ إليهِمْ فيقولُ صلى الله عليه وسلم :« أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »([رواه ابوداوود]). وكانَ صلى الله عليه وسلم يَبِيعُ ويَشْتَرِي، ويُعْطِي ويَأْخُذُ، ويُهْدِي ويَقْبَلُ الإهداءَ مِنَ المسلمينَ وغيرِهِمْ، وهوَ صلى الله عليه وسلم فِي أحوالِهِ كُلِّهَا وَدُودٌ كريمٌ، حَيِيٌّ حَلِيمٌ، رَؤُوفٌ رَحيمٌ، يَصْدُقُ الحَدِيثَ، ويُؤَدِّي الأمانةَ، وَفِيٌّ بالعهد، سليمُ الصَّدْر، يُعِينُ الضُّعفاءَ، ويُضَمِّدُ جِراحَ المَساكِينِ، يَأْلَفُ ويُؤْلَفُ، يَلْجأُ إليه قَوْمُهُ ويَرْضَوْنَهُ حَكَماً لِحَلِّ مُشْكِلاتِهِمْ ومُعْضِلاتِهِمْ، ويُشاركُهُمْ فِي أعمالِ الشَّرَفِ والْمُروءةِ . وفِي ذِكْرَى ميلادِ خاتَمِ النبيينَ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم لاَبدَّ أَنْ نتذكَّرَ جانبَ الهِدايةِ، لقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم يدعُو الناسَ إلَى اللهِ وإلَى معرفتِهِ وتوحيدِهِ وعبادتِهِ، يُرَغِّبُهُمْ فِي الخيرِ ويُحَبِّبُهُمْ فيهِ ويَعِدُهُم عليهِ ثوابَ اللهِ فِي الدُّنيا وحُسْنَ ثوابِهِ فِي الآخرةِ، ويُرَهِّبُهُمْ مِنَ الشَّرِّ ويُنَفِّرُهُم مِنْ مُقارفتِهِ ويُحَذِّرُهُم عذابَ اللهِ وسَخَطَهُ، ويُحَبِّبُ الخَلْقَ فِي الخالِقِ، ويُعَظِّمُ فِي أَنْفُسِهِم نِعَمَ اللهِ عليهِمْ، لاَ يُقَنِّطُهُم مِنْ رحمةِ اللهِ وفضْلِهِ وإحسانِهِ، يَستغفرُ للمُذْنِبِينَ ويَفتحُ لَهُمْ أبوابَ الرَّجاءِ، ويَدعُوهُمْ إلَى الإنابةِ والتَّوبةِ، وكانَ صلى الله عليه وسلم فِي دعوتِهِ يَحُضُّ علَى العملِ للدُّنيَا كَحَضِّهِ علَى العملِ للآخرةِ، يُبَغِّضُ الكَسَلَ، ويُحَبِّبُ فِي الكسبِ الحلالِ، يُكْرِمُ العُلماءَ، ويُعَلِّمُ الجُهلاءَ، ويُعْلِي مكانةَ العلمِ والمعرفةِ، ويقولُ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ» ([رواه ابوداوود]). فلنتأسَّ بهِ صلى الله عليه وسلم قالَ تعالَى :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) نسألُ اللهَ تعالَى أنْ يُوفِّقَنَا للتأسِي بنبيِّنَا وحبيبِنَا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونسألُهُ أنْ يوفِّقْنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرنَا بطاعتِهِ امتثالاً لقولِه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ تَعَالَى:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ويَقُولُ الرسولُ :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »([رواه مسلم]) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
القائلُ سبحانَهُ :( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ القائلُ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ »([رواه الدارمي]). اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ علَى سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحْبهِ أجمعينَ. أمَّا بعد: أيهَا السادة الأعزاء: فِي هذهِ الأيامِ المباركةِ تُطِلُّ علينَا وعلَى العالَمِ ذِكْرَى ميلادِ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذِي كانَ ميلادُهُ ميلادَ رسالةٍ وأُمَّةٍ وحضارةٍ نَضَّرَتْ وجْهَ التاريخِ، وبدَّلَتِ الأرضَ غيرَ الأرضِ، فعَمَّ الإيمانُ وانتشرَ السلامُ، وكانَ ذلكَ -علَى الراجِحِ- فِي يومِ الاثنينِ ليلةَ الثانِي عشرَ مِنْ ربيعٍ الأولِ عامَ الفِيلِ، فكانَ أَسْعَدَ يومٍ طَلَعَتْ فيهِ الشَّمْسُ، فلقَدْ وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الذِي كانَ العالَمُ فِي انتظارِهِ ليأخُذَ الناسَ إلَى الطريقِ القويمِ، وهذَا مَا بيَّنَهُ سيدُنَا جَعْفَرُ بنُ أبِي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ حينمَا سُئِلَ عمَّا كانَ يدعُو إليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: أَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحاَرِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ([رواه أحمد]). أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ ميلادَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإرسالَهُ كانَ عنايةً إلهيةً ورحمةً ربانيةً لإنقاذِ البشريةِ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ حيثُ يقول :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وهناكَ بشاراتٌ بِقُدومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ تعالَى :( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ :« دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرَأَتْ أُمِّى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ»([رواه أحمد]). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِى خَيْرِهِمْ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ بَيْتاً وَخَيْرِهِمْ نَفْساً»([رواه الترمذي]). لقَدْ كانَ ميلادُ خاتمِ النبيينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ميلاداً لحياةٍ جديدةٍ أَشْرَقَ فيهَا النُّورُ علَى مشارقِ الأرضِ ومغاربِهَا، أَشْرَقَ النُّورُ علَى البَرِّ والبَحْرِ والسَّهْلِ والجَبَلِ والإنسانِ والحيوانِ والنَّباتِ والجَماداتِ. إنَّ ذِكْرَى ميلادِ خاتمِ النبيينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم فُرْصَةٌ عظيمةٌ للتَّأَسِّي والاقتداءِ، وتجديدِ المحبةِ وحُسْنِ الاتِّباعِ، ففِي هذهِ المناسبةِ العظيمةِ نَتَذَكَّرُ جَانبيْنِ مُهِمَّيْنِ مِنْ جوانبِ حياتِهِ الشريفةِ صلى الله عليه وسلم نحنُ فِي أَمَسِّ الحاجةِ إليهِمَا، نَتَذَكَّرُ الكمالاتِ الإنسانيةَ والفضائلَ الأخلاقيةَ التِي أكرمَ اللهُ تعالَى بِهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم إنساناً معَ الناسِ، يتعاونُ فِي أُمورِ العيشِ وتكاليفِ الحياةِ معَ أهلِهِ وجيرانِهِ وسائرِ قومِهِ، يُوَاسِي قرابتَهُ، ويُحْسِنُ إلَى خَدَمِه، ويُكْرِمُ ضَيْفَهُ، ويبَرُّ إخوانَهُ وأصدقاءَهُ، ويعامِلُ غيرَ المسلمينَ بالحسنَى وينهَى عَنْ ظُلمِهِمْ أَوِ الإساءةِ إليهِمْ فيقولُ صلى الله عليه وسلم :« أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »([رواه ابوداوود]). وكانَ صلى الله عليه وسلم يَبِيعُ ويَشْتَرِي، ويُعْطِي ويَأْخُذُ، ويُهْدِي ويَقْبَلُ الإهداءَ مِنَ المسلمينَ وغيرِهِمْ، وهوَ صلى الله عليه وسلم فِي أحوالِهِ كُلِّهَا وَدُودٌ كريمٌ، حَيِيٌّ حَلِيمٌ، رَؤُوفٌ رَحيمٌ، يَصْدُقُ الحَدِيثَ، ويُؤَدِّي الأمانةَ، وَفِيٌّ بالعهد، سليمُ الصَّدْر، يُعِينُ الضُّعفاءَ، ويُضَمِّدُ جِراحَ المَساكِينِ، يَأْلَفُ ويُؤْلَفُ، يَلْجأُ إليه قَوْمُهُ ويَرْضَوْنَهُ حَكَماً لِحَلِّ مُشْكِلاتِهِمْ ومُعْضِلاتِهِمْ، ويُشاركُهُمْ فِي أعمالِ الشَّرَفِ والْمُروءةِ . وفِي ذِكْرَى ميلادِ خاتَمِ النبيينَ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم لاَبدَّ أَنْ نتذكَّرَ جانبَ الهِدايةِ، لقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم يدعُو الناسَ إلَى اللهِ وإلَى معرفتِهِ وتوحيدِهِ وعبادتِهِ، يُرَغِّبُهُمْ فِي الخيرِ ويُحَبِّبُهُمْ فيهِ ويَعِدُهُم عليهِ ثوابَ اللهِ فِي الدُّنيا وحُسْنَ ثوابِهِ فِي الآخرةِ، ويُرَهِّبُهُمْ مِنَ الشَّرِّ ويُنَفِّرُهُم مِنْ مُقارفتِهِ ويُحَذِّرُهُم عذابَ اللهِ وسَخَطَهُ، ويُحَبِّبُ الخَلْقَ فِي الخالِقِ، ويُعَظِّمُ فِي أَنْفُسِهِم نِعَمَ اللهِ عليهِمْ، لاَ يُقَنِّطُهُم مِنْ رحمةِ اللهِ وفضْلِهِ وإحسانِهِ، يَستغفرُ للمُذْنِبِينَ ويَفتحُ لَهُمْ أبوابَ الرَّجاءِ، ويَدعُوهُمْ إلَى الإنابةِ والتَّوبةِ، وكانَ صلى الله عليه وسلم فِي دعوتِهِ يَحُضُّ علَى العملِ للدُّنيَا كَحَضِّهِ علَى العملِ للآخرةِ، يُبَغِّضُ الكَسَلَ، ويُحَبِّبُ فِي الكسبِ الحلالِ، يُكْرِمُ العُلماءَ، ويُعَلِّمُ الجُهلاءَ، ويُعْلِي مكانةَ العلمِ والمعرفةِ، ويقولُ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ» ([رواه ابوداوود]). فلنتأسَّ بهِ صلى الله عليه وسلم قالَ تعالَى :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) نسألُ اللهَ تعالَى أنْ يُوفِّقَنَا للتأسِي بنبيِّنَا وحبيبِنَا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونسألُهُ أنْ يوفِّقْنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرنَا بطاعتِهِ امتثالاً لقولِه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ تَعَالَى:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ويَقُولُ الرسولُ :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »([رواه مسلم]) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
تعليق