غير معقول .. لم يبقَ لديّ من الوقت إلا القليل! كان سامي يحدّث نفسه، حلق ذقنه على عجل، بل وكاد أن يجرح وجهه في أكثر من موضع. وضع قميصه ثمّ دسّه كيفما اتّفق في بنطاله. كان يدرك بأنّ الرحلة المتوجّهة نحو واشنطن في غاية الأهميّة، ولم يكن وارداً لديه إطلاقاً أن تفوته تلك الرحلة. راجع الأوراق التي كان قد أعدّها مسبقاً، ثمّ نظر مطوّلاً إلى حقيبته. لم تكن هناك الكثير من الأمتعة، لأنّ إقامته في واشنطن ستكون قصيرة ولن تتجاوز أياماً معدودة. كان سامي قلقاً، وكان مشغولاً في التحضير للمحاضرة التي سيلقيها الأسبوع القادم في باريس، ثمّ روما وبرشلونة. كان سامي قد تلقّى مبلغاً كبيراً من المال مقابل هذه المحاضرات، وكان يحمد الله ومستشار وزير الثقافة الذي مهّد له الطريق لإتمام هذه الجولة العالمية. هناك الكثير من المواضيع التي يجب أن يتممها، وعلى رأسها القضايا التي أوصاه المستشار بالتركيز عليها، ومن أهّمها التقارير الدولية التي تناولت العدوان الأخير على غزّة، وذلك بما يرضي جميع الأطراف. وهذا يعني التخفيف من توجيه الاتّهامات والبحث عن نقاط وسطى ترضي الأقوياء قبل الضعفاء. في الواقع كان عليه أن يساوي في بعض المواقف ما بين أطراف النزاع، فالمحارق كثيرة ومتعدّدة عبر التاريخ، ولا بأس لو ذاق الفلسطينيون بعض الضيم فمذاق الفسفور الأبيض لذيذ للغاية، ومن يشكّك في هذه الحقائق يمكنه التوجّه لأقرب صيدلية وطلب بعض الفسفور، ونصيحتنا له ألا يسارع في وضعها فوق لسانه. هناك الكثير من الفلسطينيين القادرون على توجيه الكثير من النصائح في هذا الخصوص، وبالطبع لن يحصلوا على التعويضات والمستحقّات التي باتت في حساب الأستاذ المحاضر سامي. عدا عن هذا فسامي محبوب من الغربيين، لأنّه يتقن الإنجليزية والفرنسية، ويعرف كيف يرضي جموع المستمعين، خاصّة أولئك المنتقون بعناية فائقة والجالسون على المقاعد الأمامية، وعادة هناك فتيات يجلسن وبين أيديهنّ باقاتٌ من الورد الأحمر والقرنفل ليقمن بتزيين ياقته ورقبته بالأكاليل. كانت حكاية سامي جميلة، وكانت العديد من القنوات العربية بل والأجنبية ذات الحضور القويّ في يومياتنا يجرون معه لقاءات صحفية مطوّلة، يثنون من خلالها على ثقافته الواسعة وقدرته على الإقناع والاحتفاظ بالابتسامة طوال الوقت والسخرية اللاذعة من معارضيه، وكان من النادر أن يفقد أعصابه وكان يشجّعه في هذا المجال مدير البرنامج أو الفاصل الإعلاني عند الضرورة. اتّصل به المستشار لحظات قبل أن يغادر منزله، طلب منه تحضير لقاء يجمع الرئيس مع بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، وأشار عليه التسريع بذلك موضّحاً بأنّ الصناديق أوشكت على الإغلاق بعد أن فرغت، فوعد سامي بالعمل على تنشيط العلاقات والمحادثات بهذا الخصوص، وأضاف بأنّه متفائل بهذا الخصوص، وأبلغ الرئيس تحيّاته الحارّة.
حمل سامي حقيبته وفتح الباب الخارجي ولكنّه قبل أن يطأ العتبة شعر بيدٍ فولاذية تمسك بخنّاقه. توقّفت أنفاسه لحظةً من الزمن.
- لا .. ليس أنت! ليس الآن!
- بل الآن .. لقد حان الوقت.
- لا بدّ من الذهاب إلى واشنطن على الأقّل. لا بدّ أنّك أخطأت العنوان!
- أنا لا أخطئ العنوان يا غبيّ!
- لا .. ليس الآن. أنا حتى لم أطأ العتبة الخارجية!
- ولن تطأها يا سامي .. لن تطأها يا إنسان .. لقد حان الوقت.
- أرجوك يا عزرائيل .. أرجوك يا ملاك الموت، أنا حتى لم أتمتّع بالأموال التي تلقّيتها بعد!
- وما دور الورثة .. هم سيتمتعون بمالك يا سامي.
- أنا لا يمكنني الموت في هذه اللحظة. لقد تحدّثت للتوّ مع مستشار الرئيس. مستشار الرئيس يا عزرائيل. هل تفهم يا ملاك الموت؟ هذا ليس عدلاً.
- طز!
- راجع حساباتك. أنظر إلى دفاترك يا هذا!
- طزّ فيك يا سامي وطزّ بمستشار رئيسك. ولكن صحيح، لديك بضعة ثوانٍ أخرى.
- أعطني فرصة واحدة لإلقاء محاضرة واشنطن. سأتحدّث خلالها عن قضية شعبي. لحظة من فضلك دعني أعبر عتبة البيت. هذا ليس عدلاً .. أرجوك يا عزرائيل!
- لن تغادر عتبة البيت يا سامي .. راحت عليك يا ابني
حمل سامي حقيبته وفتح الباب الخارجي ولكنّه قبل أن يطأ العتبة شعر بيدٍ فولاذية تمسك بخنّاقه. توقّفت أنفاسه لحظةً من الزمن.
- لا .. ليس أنت! ليس الآن!
- بل الآن .. لقد حان الوقت.
- لا بدّ من الذهاب إلى واشنطن على الأقّل. لا بدّ أنّك أخطأت العنوان!
- أنا لا أخطئ العنوان يا غبيّ!
- لا .. ليس الآن. أنا حتى لم أطأ العتبة الخارجية!
- ولن تطأها يا سامي .. لن تطأها يا إنسان .. لقد حان الوقت.
- أرجوك يا عزرائيل .. أرجوك يا ملاك الموت، أنا حتى لم أتمتّع بالأموال التي تلقّيتها بعد!
- وما دور الورثة .. هم سيتمتعون بمالك يا سامي.
- أنا لا يمكنني الموت في هذه اللحظة. لقد تحدّثت للتوّ مع مستشار الرئيس. مستشار الرئيس يا عزرائيل. هل تفهم يا ملاك الموت؟ هذا ليس عدلاً.
- طز!
- راجع حساباتك. أنظر إلى دفاترك يا هذا!
- طزّ فيك يا سامي وطزّ بمستشار رئيسك. ولكن صحيح، لديك بضعة ثوانٍ أخرى.
- أعطني فرصة واحدة لإلقاء محاضرة واشنطن. سأتحدّث خلالها عن قضية شعبي. لحظة من فضلك دعني أعبر عتبة البيت. هذا ليس عدلاً .. أرجوك يا عزرائيل!
- لن تغادر عتبة البيت يا سامي .. راحت عليك يا ابني
تعليق