وصية لاجئ
أنا يا بنى غدا سيطويني الغسـق لم يبقى من ظل الحياة سوى رمق
وحطام قلب عاش مشبوب القلق
قد أشرق المصباح يوما واحتـرق
جفت به أماله حتى اختنق
فإذا نفضت تراب قبري عن يـدك
ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك
فذكر وصية لاجئ تحت التراب
سلبوه أمال الكهولة والشبـــــاب
مأساتنــا مأساة ناس أبريــــــاء
وحكاية يغلى بأسطرها الشقاء
حملت إلى الأفاق رائحة الدماء
وجريمتي كانت محاولة البقاء
أنا ما اعتديت ولا إدخرتك لاعتداء
لا كن لثأر نبعه دامي هنـــا
بين الضلوع جعلته كل المنى
وصبغت أحلامي به فوق الهضاب
وأظمأت عمري ثم مت بلا شراب
كانت لنا دار وكان لنا وطن
ألقت به أيدي الخيانة للمحــن
وبذلت في إنقاذه أغلى ثمــن
بيدي دفنت أخاك فيه بلا كفن
إلا الدماء وما ألم بي الوهن
إن كنت يوما سكبت الأدمعا
فلأنني حملت فقداهما معـــــا
جرحان في جنبي ثكل واغتراب
ولد أضيع وبلده رهن العذاب
تلك الربوع هناك قد عرفتك طفلا
يجنى السنا والزهر حين يجوب حقلا
فاضت عليك رياضها ماء وظــلا
واليوم قد دهمت لك الأحداث أهــلا
ومروجك الخضراء تحنى الهام ذلا
هم أخرجوك فعد إلى من أخرجوك
فهناك أرض كان يزرعها أبـــــوك
قد ذقت من أثمارها الشهد المذاب
فألام تتركها الأسنة الحراب
إن جئتها يوما وفى يدك الســــلاح
وطلعت بين ربوعها مثل الصباح
فهتف على سمع الروابي والبطاح
إني أنا الأمس الذي ضمد الجراح
لبيك يا وطني العزيز المستباح
أو لست تذكرني أنا ذاك الغـــلام
من أحرقوا مأواه في جنح الظلام
بلهيب نار حولها رقص الذئاب
لفت حياتي بالدخان والضباب
لا تبكين فما بكت عين الجناة
هي قصة الطغيان من فجر الحياة
فارجع إلى بلد كنوز أبى حصاه
قد كنت أرجو أن أموت على ثراه
أمل ذوى ما كان لي أمل سواه
فإذا نفضت غبار قبري عن يدك
ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك
فاذكر وصية لاجئ تحت التراب
سلبوه أمال الكهولة والشباب
للشهيد الشاب )( هاشم الرفاعى )( نحسبه كذلك يرحمه الله
تعليق