بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير حديث حتى يضع ربّ العزة فيها قدمه
(( أَئِمَّةُاللُّغَةِ قَالُوا: القَدَمُمَا يُقَدِّمُهُ اللهُ تَعَالى لِلنَّارِ ))
الْحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، لهُ النِّعْمَةُ ولهُ الفضْلُ ولهُ الثَّناءُ الْحَسَن، صَلَواتُ اللهِ البرِّ الرَّحيم، والْملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ، على سيِّدنا مُحمَّدٍ، أشرفِ الْمُرسلينَ، وعلى جَميعِ إخْوانِهِ منَ النَّبيينَ والْمُرْسَلِينَ، وسلامُ اللهِ عليهِم أجْمَعينَ.
أما بعد فقد روى مُسْلم والبيهقي، أنَّ رسُولَ اللهِ قال: "إنَّ الإِسلامَ بدَأَ غَريبًا وسَيعودُ غريبًا كما بدأَ فطُوبى لِلْغُرباء"، قيلَ: ومنْ هُمُ الغُرباءُ يا رَسولَ الله، قال: "الَّذينَ يُصلِحونَ مِنْ سُنَّتي ما أفْسَدَ النَّاسُ"، وسنَّةُ الرَّسُولِ هيَ شَريعتُهُ، أي العَقِيدَةُ والأحْكَامُ. في هذا الْحديثِ بِشَارَةٌ لِمَنْ يتمَسَّكُ في هَذَا الزَّمَنِ الَّذي فَسَدَتِ الأُمَّةُ فِيهِ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ، أي شَرِيعَتِهِ وهي العقيدة والأحكام.
إذا قالَ الْمُشَبِّهُ: "إنَّ القُرءانَ والْحديثَ يدُلاّنِ على أنَّ اللهَ تعالى مُتحيِّزٌ في جِهَةِ فوْقٍ"، كيفَ يُرَدُّ عليْهِ؟ الرَّدُّ يكونُ بالدَّليلِ النَّقليِّ، لأنَّ هذهِ الفِرْقةَ، فِرْقةَ التَّشبيهِ تقولُ: "نُثْبِتُ للهِ ما أَثْبَتَ لِنفْسِهِ وننفي عنْهُ ما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ"،ويريدون بكلامِهِم هذا أنَّهُمْ يُثبتونَ للهِ مُشابَهَةَ الْخَلْقِ. أمَّا قولُهُم: "وَنَنْفي عَنُهُ ما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ"، يُريدونَ بِذَلِكَ نَفْيَ تَنْزِيهِ اللهِ عنِ التَّحيُّزِ في الْمَكَانِ والْجِهَةِ، وَعَنِ الْجِسْمِيَّةِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أوْصَافِ الْجِسْمِ، كالْحَرَكَةِ والسُّكُونِ والانْتِقَالِ والانْفِعَالِ إلى غيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَجْمِ.
القُدَماءُ مِنْهُم كَانَ قِسْمٌ مِنْهُمْ يقولُ: "هُوَ حَجْمٌ لَطِيفٌ نُورٌ يتلألأُ"، أمَّا هؤلآءِ الَّذينَ في هذا العَصْرِ يقولونَ عَنِ اللهِ: "جِسْمٌ كثيفٌ"، بِدَلِيلِ قَوْلِهِم إنَّهُ في الآخِرَةِ لَمَّا يُقالُ لِجهنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ؟ فتقولُ: هَلْ مِنْ مَزيد إِنَّ اللهَ تعالى يَضَعُ قَدَمَهُ فيها ولا يَحْتَرِقُ، فَهَذَا دَليلٌ على أنَّهُمْ مُجَسِّمَةٌ. ولو كانوا يؤمنون بالقرءان لوقفوا عند قول الله تعالى : لو كان هؤلاء ءالهة ما وردوها.وذلك فى توبيخ الكفار حين يجدون فى النار معهم ما كانوا عبدوه فى الدنيا من نحو الأصنام. هؤلاء المشبهة جعلوا الله ذا أعضاء وجوارح وساواه بالأصنام التى يعبدها الكفّار.
أَمَّا الْرِّجْلُ مَا وَرَدَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ للهِ تعالى، بَلْ وَرَدَ عَلَى مَعْنًى ءَاخَرَ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، يُقَالُ في لُغَةِ الْعَرَبِ: "رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ" أَيْ فَوْجٌ مِنْ جَرَادٍ، فَالْحَديثُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الْرِّجْلِ مُضَافًا إِلى اللهِ هُوَ حَدِيثُ: "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَمْلأُ يوْمَ الْقِيَامَةِ جَهَنَّمَ بِفَوْجٍ مِن خَلْقِهِ"، كَانُوُا مِنْ أَهْلِها في عِلْمِ اللهِ تعالى، لَيْسَ أَهْلُ الْنَّارِ يَدْخُلونَ الْنَّارَ دُفْعَةً وَاحِدَةً كُلُّهُم، لا، بَلْ يَدْخُلُ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذِلِكَ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَوْجٌ، فَالْفَوْجُ الأَخِيرُ هُوَ الَّذِي وَرَدَ في الْحَدِيثِ: "فَيَضَعُ رِجْلَهُ فِيهَا"، رِجْلَهُ مَعْنَاهُ الْفَوْجُ الأَخِيرُ مِنْ خَلْقِهِ الَّذِينَ هُمْ حِصَّةُ جَهَنَّمَ. عَنْ هَذَا عَبَّرَ رُسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِهِ: "يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتََلأتِ؟ فَتَقُوُلُ: هَلْ مِنْ مَزِيد؟ فَيَضَعُ الْجَبَّارُ رِجْلَهُ فِيهَا، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ، فَتَقُولُ قَطٍ قَطّ"(رواه البخاري)أَيِ اكْتفَيّتُ، اكتَفَيتُ، مَعْنَاهُ وَجَدْتُ مِلْئِي، وَجَدْتُ مَا يَمْلَؤنِي. "فَيَنْزَوي بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ" مَعْنَاهُ عِنْدَمَا يُرسِلُ اللهُ فَوْجًا جَدِيدًا، ءَاخِر فَوْجٍ، الْنَّارُ تَتَقَلَّصُ،كَانَتْ تَتَّسِعُ ثُمَّ هِيَ تَتَقَلَّصُ مَعَ هَؤُلاءِ، بِأَكْلِ هَؤُلاءِ،. "رِجْلَهُ" مَعْنَاهُ الْفَوْجُ الأَخِيرُ الَّذِينَ يُقَدِّمُهُمْ لِلنَّارِ، تَقُوُلُ الْعَرَبُ: "رِجْلٌ مِنْ جَرادٍ" أَيْ فوْجٌ مِنْ جَرَادٍ، أَمَّا مَنْ توَهَّمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ للهِ تعالى رِجْلاً بِمَعْنَى عُضْوٍ فَهُوَ كافِرٌ مُشَبِّهٌ للهِ بِخَلْقِهِ، لا يَنْفَعُهُ انْتِسابُهُ إلى الإسْلامِ، لأَنَّ مَنْ لَمْ يعرِفِ اللهَ لا تَصِحُّ عِبادَتُهُ.
كذلِكَ رِوَايَةُ الْقَدَمِ: "فَيَضَعُ فِيهَا قَدَمَهُ" مَعْنَاهُ الْشَّىْءُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ اللهُ لِجَهَنَّمَ، أَئِمَّةُ اللُّغَةِ قَالُوا: القَدَمُ مَا يُقَدِّمُهُ اللهُ تَعَالى لِلنَّارِ، لَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ عُضْوًا فَيُقَدِّمُ هَذَا الْعُضْوَ في النَّارِ، أَيْ يُدْخِلُهُ فِيهَا، تَنَزَّهَ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يَكُوُنَ لَهُ عُضْوٌ.
وفى تفسير القرطبىّ:
وقال النضر بن شُمَيْل في معنى قوله عليه السلام: «حتى يَضَع الجبَّار فيها قَدمَه » أي من سبق في علمه أنه من أهل النار
وفى تفسير الثعالبى:
ومن هذه اللفظة قوله صلى الله عليه وسلّم: «حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ » أيْ ما قَدَّمَ لها، هذا على أن الجبَّار اسْمُ اللَّه تعالى،
تفسير غرائب القرءان:
وروي أنه لا يلقى فيها فوج إلا ذهب ولا يملؤها شىء فتقول: قد أقسمت لتملأني فيضع تعالى فيها قدمه أي ما قدّمه.
وفى كتاب الأسماء والصفات للبيهقىّ:
قال الشيخ أحمد: وفيما كتب إلي أبو نصر بن قتادة من كتاب أبي الحسن بن مهدي الطبري حكاية عن النضر بن شميل أن معنى قوله: حتى يضع الجبار فيها قدمهأي من سبق في علمه أنه من أهل النار. قال أبو سليمان: قد تأول بعضهم الرجل على نحو من هذا، قال: والمراد به استيفاء عدد الجماعة الذين استوجبوا دخول النار. قال: والعرب تسمي جماعة الجراد رجلا كما سموا جماعة الظباء سربا وجماعة النعام خيطا، وجماعة الحمير عانة، قال: وهذا وإن كان اسما خاصا لجماعة الجراد، فقد يستعار لجماعة الناس على سبيل التشبيه. والكلام المستعار والمنقول من موضعه كثير، والأمر فيه عند أهل اللغة مشهور. قال أبو سليمان رحمه الله: وفيه وجه آخر، وهو أن هذه الأسماء أمثال يراد بها إثبات معان لا حظ لظاهر الأسماء فيها
وفى النهاية فى غريب الحديث:
ومنه الحديث في ذكر النار: «حتى يَضَع الجَبَّار فيها قَدَمه » المشهور في تأويله: أن المراد بالجبَّار الله تعالى، ويشْهَد له قوله في الحديث الآخر: «حتَّى يَضَع ربُّ العِزة فيها قَدَمه» والمراد بالقَدَم: أهلُ النَّار الذين قَدَّمَهُم الله تعالى لها من شِرَار خلْقه، كما أنّ المؤمنين قَدَمُه الذين قَدَّمهم للجنة: وقيل أراد بالجَبَّار ها هنا المُتَمرد العَاتِي، ويشهد له قوله في الحديث الآخر: « إنّ النار قالت:وُكِّلْت بثَلاثةٍ: بِمَنْ جَعل مع الله إلهاً آخرَ، وبكُلّ جبَّار عنيد، وبالمُصَوِّرين».
وفى تاج العروس للحافظ اللغوى الفقيه محمد مرتضى الزبيدى:
و الجَبَّار في صِفَةِ الخَلقِ: (كلُّ عاتٍ) متَمرِّدٍ. ومنه قولهم: وَيْلٌ لجَبّارِ الأَرْضِ من جَبّارِ السَّماءِ، وبه فَسَّرَ بعضُم الحديثَ في ذِكر النّارِ: «حتى يَضَع الجَبَّارُ فيها قَدَمَه ». ويَشْهد له قولُه في حديثٍ آخر: «إِنَّ النارَ قالت: وُكِّلْت بثلاثة: بمَن جَعَل مع اللّهِ إِلهاً آخَرَ، وبكلِّ جَبّار عَنِيد، والمصَوِّرِين». وقال اللِّحْيَانِيُّ: الجَبّار:المتكبِّر عن عبادةِ اللّه تعالى، ومنه قولهُ: {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} (مريم: 14) وفي الحديث «أَن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حَضَرَتْه امرأَةٌ فأَمَرهَا بأَمْرٍ، فتأَبَّتْ، فقال النبيُّ صلَّى اللّهُ عليْه وسلَّم: دَعُوهَا فإِنهَا جَبّارَةٌ»، أَي عاتِيَةٌ متكبِّرةٌ. (كالجِبيِّرِ، كسِكِّيتِ) ، وهو الشَّدِيدُ التَّجبُّرِ.ا هـ
اللهم ثبتنا على عقيدة أهل السنة والجماعة.
من اميلي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير حديث حتى يضع ربّ العزة فيها قدمه
(( أَئِمَّةُاللُّغَةِ قَالُوا: القَدَمُمَا يُقَدِّمُهُ اللهُ تَعَالى لِلنَّارِ ))
الْحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، لهُ النِّعْمَةُ ولهُ الفضْلُ ولهُ الثَّناءُ الْحَسَن، صَلَواتُ اللهِ البرِّ الرَّحيم، والْملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ، على سيِّدنا مُحمَّدٍ، أشرفِ الْمُرسلينَ، وعلى جَميعِ إخْوانِهِ منَ النَّبيينَ والْمُرْسَلِينَ، وسلامُ اللهِ عليهِم أجْمَعينَ.
أما بعد فقد روى مُسْلم والبيهقي، أنَّ رسُولَ اللهِ قال: "إنَّ الإِسلامَ بدَأَ غَريبًا وسَيعودُ غريبًا كما بدأَ فطُوبى لِلْغُرباء"، قيلَ: ومنْ هُمُ الغُرباءُ يا رَسولَ الله، قال: "الَّذينَ يُصلِحونَ مِنْ سُنَّتي ما أفْسَدَ النَّاسُ"، وسنَّةُ الرَّسُولِ هيَ شَريعتُهُ، أي العَقِيدَةُ والأحْكَامُ. في هذا الْحديثِ بِشَارَةٌ لِمَنْ يتمَسَّكُ في هَذَا الزَّمَنِ الَّذي فَسَدَتِ الأُمَّةُ فِيهِ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ، أي شَرِيعَتِهِ وهي العقيدة والأحكام.
إذا قالَ الْمُشَبِّهُ: "إنَّ القُرءانَ والْحديثَ يدُلاّنِ على أنَّ اللهَ تعالى مُتحيِّزٌ في جِهَةِ فوْقٍ"، كيفَ يُرَدُّ عليْهِ؟ الرَّدُّ يكونُ بالدَّليلِ النَّقليِّ، لأنَّ هذهِ الفِرْقةَ، فِرْقةَ التَّشبيهِ تقولُ: "نُثْبِتُ للهِ ما أَثْبَتَ لِنفْسِهِ وننفي عنْهُ ما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ"،ويريدون بكلامِهِم هذا أنَّهُمْ يُثبتونَ للهِ مُشابَهَةَ الْخَلْقِ. أمَّا قولُهُم: "وَنَنْفي عَنُهُ ما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ"، يُريدونَ بِذَلِكَ نَفْيَ تَنْزِيهِ اللهِ عنِ التَّحيُّزِ في الْمَكَانِ والْجِهَةِ، وَعَنِ الْجِسْمِيَّةِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أوْصَافِ الْجِسْمِ، كالْحَرَكَةِ والسُّكُونِ والانْتِقَالِ والانْفِعَالِ إلى غيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَجْمِ.
القُدَماءُ مِنْهُم كَانَ قِسْمٌ مِنْهُمْ يقولُ: "هُوَ حَجْمٌ لَطِيفٌ نُورٌ يتلألأُ"، أمَّا هؤلآءِ الَّذينَ في هذا العَصْرِ يقولونَ عَنِ اللهِ: "جِسْمٌ كثيفٌ"، بِدَلِيلِ قَوْلِهِم إنَّهُ في الآخِرَةِ لَمَّا يُقالُ لِجهنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ؟ فتقولُ: هَلْ مِنْ مَزيد إِنَّ اللهَ تعالى يَضَعُ قَدَمَهُ فيها ولا يَحْتَرِقُ، فَهَذَا دَليلٌ على أنَّهُمْ مُجَسِّمَةٌ. ولو كانوا يؤمنون بالقرءان لوقفوا عند قول الله تعالى : لو كان هؤلاء ءالهة ما وردوها.وذلك فى توبيخ الكفار حين يجدون فى النار معهم ما كانوا عبدوه فى الدنيا من نحو الأصنام. هؤلاء المشبهة جعلوا الله ذا أعضاء وجوارح وساواه بالأصنام التى يعبدها الكفّار.
أَمَّا الْرِّجْلُ مَا وَرَدَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ للهِ تعالى، بَلْ وَرَدَ عَلَى مَعْنًى ءَاخَرَ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، يُقَالُ في لُغَةِ الْعَرَبِ: "رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ" أَيْ فَوْجٌ مِنْ جَرَادٍ، فَالْحَديثُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الْرِّجْلِ مُضَافًا إِلى اللهِ هُوَ حَدِيثُ: "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَمْلأُ يوْمَ الْقِيَامَةِ جَهَنَّمَ بِفَوْجٍ مِن خَلْقِهِ"، كَانُوُا مِنْ أَهْلِها في عِلْمِ اللهِ تعالى، لَيْسَ أَهْلُ الْنَّارِ يَدْخُلونَ الْنَّارَ دُفْعَةً وَاحِدَةً كُلُّهُم، لا، بَلْ يَدْخُلُ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذِلِكَ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَوْجٌ، فَالْفَوْجُ الأَخِيرُ هُوَ الَّذِي وَرَدَ في الْحَدِيثِ: "فَيَضَعُ رِجْلَهُ فِيهَا"، رِجْلَهُ مَعْنَاهُ الْفَوْجُ الأَخِيرُ مِنْ خَلْقِهِ الَّذِينَ هُمْ حِصَّةُ جَهَنَّمَ. عَنْ هَذَا عَبَّرَ رُسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِهِ: "يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتََلأتِ؟ فَتَقُوُلُ: هَلْ مِنْ مَزِيد؟ فَيَضَعُ الْجَبَّارُ رِجْلَهُ فِيهَا، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ، فَتَقُولُ قَطٍ قَطّ"(رواه البخاري)أَيِ اكْتفَيّتُ، اكتَفَيتُ، مَعْنَاهُ وَجَدْتُ مِلْئِي، وَجَدْتُ مَا يَمْلَؤنِي. "فَيَنْزَوي بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ" مَعْنَاهُ عِنْدَمَا يُرسِلُ اللهُ فَوْجًا جَدِيدًا، ءَاخِر فَوْجٍ، الْنَّارُ تَتَقَلَّصُ،كَانَتْ تَتَّسِعُ ثُمَّ هِيَ تَتَقَلَّصُ مَعَ هَؤُلاءِ، بِأَكْلِ هَؤُلاءِ،. "رِجْلَهُ" مَعْنَاهُ الْفَوْجُ الأَخِيرُ الَّذِينَ يُقَدِّمُهُمْ لِلنَّارِ، تَقُوُلُ الْعَرَبُ: "رِجْلٌ مِنْ جَرادٍ" أَيْ فوْجٌ مِنْ جَرَادٍ، أَمَّا مَنْ توَهَّمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ للهِ تعالى رِجْلاً بِمَعْنَى عُضْوٍ فَهُوَ كافِرٌ مُشَبِّهٌ للهِ بِخَلْقِهِ، لا يَنْفَعُهُ انْتِسابُهُ إلى الإسْلامِ، لأَنَّ مَنْ لَمْ يعرِفِ اللهَ لا تَصِحُّ عِبادَتُهُ.
كذلِكَ رِوَايَةُ الْقَدَمِ: "فَيَضَعُ فِيهَا قَدَمَهُ" مَعْنَاهُ الْشَّىْءُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ اللهُ لِجَهَنَّمَ، أَئِمَّةُ اللُّغَةِ قَالُوا: القَدَمُ مَا يُقَدِّمُهُ اللهُ تَعَالى لِلنَّارِ، لَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ عُضْوًا فَيُقَدِّمُ هَذَا الْعُضْوَ في النَّارِ، أَيْ يُدْخِلُهُ فِيهَا، تَنَزَّهَ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يَكُوُنَ لَهُ عُضْوٌ.
وفى تفسير القرطبىّ:
وقال النضر بن شُمَيْل في معنى قوله عليه السلام: «حتى يَضَع الجبَّار فيها قَدمَه » أي من سبق في علمه أنه من أهل النار
وفى تفسير الثعالبى:
ومن هذه اللفظة قوله صلى الله عليه وسلّم: «حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ » أيْ ما قَدَّمَ لها، هذا على أن الجبَّار اسْمُ اللَّه تعالى،
تفسير غرائب القرءان:
وروي أنه لا يلقى فيها فوج إلا ذهب ولا يملؤها شىء فتقول: قد أقسمت لتملأني فيضع تعالى فيها قدمه أي ما قدّمه.
وفى كتاب الأسماء والصفات للبيهقىّ:
قال الشيخ أحمد: وفيما كتب إلي أبو نصر بن قتادة من كتاب أبي الحسن بن مهدي الطبري حكاية عن النضر بن شميل أن معنى قوله: حتى يضع الجبار فيها قدمهأي من سبق في علمه أنه من أهل النار. قال أبو سليمان: قد تأول بعضهم الرجل على نحو من هذا، قال: والمراد به استيفاء عدد الجماعة الذين استوجبوا دخول النار. قال: والعرب تسمي جماعة الجراد رجلا كما سموا جماعة الظباء سربا وجماعة النعام خيطا، وجماعة الحمير عانة، قال: وهذا وإن كان اسما خاصا لجماعة الجراد، فقد يستعار لجماعة الناس على سبيل التشبيه. والكلام المستعار والمنقول من موضعه كثير، والأمر فيه عند أهل اللغة مشهور. قال أبو سليمان رحمه الله: وفيه وجه آخر، وهو أن هذه الأسماء أمثال يراد بها إثبات معان لا حظ لظاهر الأسماء فيها
وفى النهاية فى غريب الحديث:
ومنه الحديث في ذكر النار: «حتى يَضَع الجَبَّار فيها قَدَمه » المشهور في تأويله: أن المراد بالجبَّار الله تعالى، ويشْهَد له قوله في الحديث الآخر: «حتَّى يَضَع ربُّ العِزة فيها قَدَمه» والمراد بالقَدَم: أهلُ النَّار الذين قَدَّمَهُم الله تعالى لها من شِرَار خلْقه، كما أنّ المؤمنين قَدَمُه الذين قَدَّمهم للجنة: وقيل أراد بالجَبَّار ها هنا المُتَمرد العَاتِي، ويشهد له قوله في الحديث الآخر: « إنّ النار قالت:وُكِّلْت بثَلاثةٍ: بِمَنْ جَعل مع الله إلهاً آخرَ، وبكُلّ جبَّار عنيد، وبالمُصَوِّرين».
وفى تاج العروس للحافظ اللغوى الفقيه محمد مرتضى الزبيدى:
و الجَبَّار في صِفَةِ الخَلقِ: (كلُّ عاتٍ) متَمرِّدٍ. ومنه قولهم: وَيْلٌ لجَبّارِ الأَرْضِ من جَبّارِ السَّماءِ، وبه فَسَّرَ بعضُم الحديثَ في ذِكر النّارِ: «حتى يَضَع الجَبَّارُ فيها قَدَمَه ». ويَشْهد له قولُه في حديثٍ آخر: «إِنَّ النارَ قالت: وُكِّلْت بثلاثة: بمَن جَعَل مع اللّهِ إِلهاً آخَرَ، وبكلِّ جَبّار عَنِيد، والمصَوِّرِين». وقال اللِّحْيَانِيُّ: الجَبّار:المتكبِّر عن عبادةِ اللّه تعالى، ومنه قولهُ: {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} (مريم: 14) وفي الحديث «أَن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حَضَرَتْه امرأَةٌ فأَمَرهَا بأَمْرٍ، فتأَبَّتْ، فقال النبيُّ صلَّى اللّهُ عليْه وسلَّم: دَعُوهَا فإِنهَا جَبّارَةٌ»، أَي عاتِيَةٌ متكبِّرةٌ. (كالجِبيِّرِ، كسِكِّيتِ) ، وهو الشَّدِيدُ التَّجبُّرِ.ا هـ
اللهم ثبتنا على عقيدة أهل السنة والجماعة.
من اميلي
تعليق