مدينة اسدود
سافرنا جنوباً بالشارع الرئيسي في "الجيتو" وتوجهنا يميناً الى "رحوفوت". خلال الطريق يشرح لنا عبدالله عن القرى الغائبة عن الأنظار, قبل "رحوفوت" من جهة اليسار قرية السوطرية, وقرب مفرق "بيلو" قرية عاقر, بعدها من اليمين قرية بشيت, وبمحاذاة "جديره" قرية قطرة. عندها انتهينا من محافظة الرملة في أيام الانتداب ودخلنا محافظة غزة: قرية برقا وثم …. ها نحن على أراضي اسدود. لكل قطعة أرض اسم, وعبدالله يعرفه. توجهنا يساراً في مفرق "أشدود". على جانبي الطريق كانت بيّارات, وحيث منازل المدينة اليوم كانت كروم عنب. عبرنا وادي سخرير ("لخيش") من على جسر "عد هلوم". هنا كان من المفروض أن يمر الحد بين الدولة العبرية والدولة العربية. هناك نقطة عسكرية وعمود بشكل مسلّة تخليداً لذكرى الشهداء المصريين. إلى هناك وصل الجيش المصري. عبرنا المدخل الجنوبي لمدينة "أشدود", عبرنا المنطقة الصناعية "عد هلوم", وتوجهنا يميناً في طريق ترابية قبل مبنى كتب عليه بأحرف توراتية بيضاء " مجرمو أوسلو للمحاكمة". هذا المبنى كان مقهى على الطريق إلى غزة. من الناحية الشرقية للطريق هناك بعض البيوت كانت حينها داخل بيارات اسدود.
نتوجه يساراً ثم يميناً ونصل الى المدرسة الابتدائية للبنين, فيها علّم عبدالله - حتى الاحتلال- اللغات والتاريخ والجغرافيا. بمحاذاتها المدرسة الابتدائية للبنات التي كانت في مراحل بناء واحتلت. هي من وراء الجدار ولكنها متاخمة له.
كان في اسدود ثلاثة مقامات اسلامية مقدسة: ضريحا ابراهيم المطبولي وسلمان الفارسي قد خربا, وضريح أحمد أبو إقبال لا زال قائماً. القبر نفسه يمكن أن يرمم.
حكى لنا عبد الله أن معظم السكان هربوا مع المصريين إلى المجدل. وكذلك زوجته وابنته بنت الثالثة. الشيوعيون في القرية (بينهم الرفيق عبد الله) اعتقدوا أنه يجب أن نبقى. الجيش الإسرائيلي عين "ساسون غوطليب" ( يقول عبد الله أنهم سموه الديراني لأنه جاء من خربة ديران, اليوم "رحوفوت"). بعد يوم أو بعض أيام طردوا كبار السن إلى المجدل, أما الأصغر سناً والشباب فقد نقلوا أسرى لموقع في "جديره". هناك قاموا بتعريبهم. كان بينهم أسرى مصريون كثيرون. بعد ذلك نقلوا الاسدوديين إلى "الجيتو" في المجدل التي كانت أيضاً قد احتلت, وعبد الله واحد منهم.
دخول الجيش الإسرائيلي إلى اسدود- نوفمبر 1948
من كتاب بيني موريس، تصحيح خطأ (תיקון טעות), "نزوح يحوي في طياته الرغبة والإكراه معاً: حول نقل سكان المجدل الباقين إلى غزة,1950". إصدار عام عوفيد, 2000 . ص 217-218 .
"في نوفمبر 1948 احتلت اسدود من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي. طائرات سلاح الجو ألقت مناشير تعد بمعاملة حسنة مع السكان العرب. بعد مغادرة المصريين, دخلت المدينة قوة من جيش الدفاع الإسرائيلي. في مركز البلدة تجمهر حوالي ثلاثمائة من السكان, وعلى المسجد وعلى بيوت أخرى رفعت أعلام بيضاء. حسب تقرير جيش الدفاع الإسرائيلي, بقي السكان في القرية ضد رغبة المصريين الذين أمروهم بالمغادرة وحذروا من أعمال انتقام من قبل اليهود. وفعلاً غادر الكثيرون من سكان البلدة وانتظروا في البيارات وتلال الرمال القريبة ليرقبوا تصرف اليهود.
أمر السكان بتسليم أسلحتهم وقام الجنود بالتفتيش عن أسلحة إضافية. وصل قائد المنطقة مع أوامر من قائد أركان الجبهة أن يسمح للسكان بالبقاء في القرية وإتاحة دخول السكان الذين كانوا خارجها. وقد عيّن حاكم عسكري للحفاظ على النظام وحماية الأملاك. ولكن بعد ذلك مباشرة وصلت أوامر إضافية بطرد السكان وقد تم الطرد فعلاً. وعندها بدأت أعمال نهب بالبلدة لم يستطع الجنود السيطرة عليها."
إسدود
(ترجم من الترجمة العبرية لكتاب وليد الخالدي "كي لا ننسى")
إسدود قبل 1948
كانت القرية موجودة على تل رملي يشرف على المساحات الواسعة إلى الشرق والشمال والجنوب ويواجه تلا مرتفعا إلى الغرب. وعلى ذلك التل إلى الغرب توجد أنقاض عدة بلدات قديمة كانت تحمل نفس الاسم. كانت إسدود موجودة على الطريق الساحلي قريبا من سكة الحديد وكانت تبعد عن البحر بخمس كيلوميترات. وكان اسمها تشويشا لأشدود وهو اسم بلدة قديمة تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد. وحسب التوراة (يهشوع 13 1-)3 كانت أشدود إحدى مدن الفلسطينيين الخمس البارزة. ومن الجدير أن نميز بينها وبين المدينة البحرية "أشدود-يام" التي كانت تبعد عن إسدود بخمس كيلوميترات توفرت فيها الكثبان الرملية. وبعد أن احتلها المكابيون في القرن الثاني قبل الميلاد تمت إقامتها من جديد بعد أقل من قرن كمدينة رومانية اسمها "أزوتوس". وخلال الفترة البيزنطية أصبحت بلدة الميناء أهم من البلدة الأم.
في القرن السابع دخلت إسدود في الحكم الإسلامي. وسماها الجغرافي الفارسي ابن خرداذبه باسم أزدود وذكر كونها محطة بريد بين الرملة وغزة. وقال السلطان المملوكي قايطباي إنه مر بها في طريقه إلى دمشق في سنة 1477 . في سنة 1596 كانت إسدود قرية في ناحية غزة وكان عدد سكانها 413 نسمة. وكانت تدفع الضرائب على عدة غلال مثل القمح والشعير والسمسم والفواكه وأيضا الماعز. ودوّن الرحال المصري الصوفي أسعد اللقيمي تفاصيل زيارته في خان إسدود في سنة 1730 بعد أن ترك غزة.
في نهاية القرن التاسع عشر كانت قرية إسدود تمتد على المنحدرات الشرقية لتل منخفض. وكان الخان (الخرب وقتئذ) موجودا إلى الجنوب الغربي من التل. وكانت البيوت مبنية بالطوب ومؤلفة من طابق واحد. وكانت مصدرا المياة الرئيسيان بئرا حجرية وبركة صغيرة تحيطهما بساتين النخيل والتين. وقدر بيديكر قبل الحرب العالمية الأولى عدد سكانها بحوالي 5000 نسمة فوصف قرية "على سفح تل يشرف عليه تل ثاني أكثر ارتفاعا".
كان معظم سكان إسدود من المسلمين وكان في القرية مسجدان ومكان أخر للعبادة ذو ثلاث قباب.
واعتقد القرويون أن أحد المساجد تبع سلمان الفارسي من صحابة النبي محمد وذلك اعتمادا على ما وجد داخل مسجد أقيم خلال فترة السلطان المملوكي ألظاهر بيبرس (1259-1277). وباعتقادهم أن المسجد الثاني تبع الشيخ المصري المتبولي وأن الثالث تبع أحمد أبو الاقبال.
وكانت مدرستان ابتدائيتان في إسدود: إحداهما للبنين (اعتبارا من سنة 1922) والثانية للبنات (اعتبارا من سنة 1924). وبلغ عدد التلاميذ 371 تلميذا و74 تلميذة في أواسط الأربعينات. كان لإسدود مجلس بلدي.
وكانت الزراعة اقتصاد القرية الأساسي وكانت أهم المحاصيل الفاكهة ولا سيما الحمضيات والعنب والتين إضافة إلى القمح. في سنتي 1944-1945 كان 1921 دونما مخصصا للحمضيات والموز و22170 دونما للحبوب و8322 دونما مرويا للبساتين. واعتمد السكان على الأمطار وعلى الآبار (بين 15 و35 متر عمقا) لري المزروعات. وبالإضافة إلى الزراعة كان السكان يعملون بالتجارة وكانت في إسدود عدة دكاكين وسوق أسبوعية كل يوم أربعاء الأمر الذي جذب سكان كثيرين من القرى المجاورة. وجرت التجارة حول محطة سكة الحديد التي كانت جزء من خط سكة الحديد الساحلي.
كانت في جوار إسدود 9 خرب تضم تقايا فخارية متنوعة وأرضية من الفسيفساء وصهاريج قديمة ومعصرة زيتون. وكشفت التنقيبات الآثرية عن أن الموقع بقي آهلا بصورة مستمرة من القرن السابع عشر تقريبا وحتى سنة 1948. وازدهرت القرية في الفترة القديمة وبلغت إلى ذروتها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر قبل الميلاد.
ألاحتلال والتهجير
عندما دخلت القوات المصرية فلسطين في 15 من شهر أيار\ مايو 1948 كان أهم هدف سيطرة منطقة إسدود. ففرضت هذه المهمة على الكتيبة التاسعة لكن في 22 مايو وصلت كتيبة جديدة إلى الجبهة وتسلطت الكتيبة السادسة على إسدود كما ذكر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كان آنئذ ضابط في الكتيبة). ما ذكرت الصحافة الأجنبية وجود أي قوة مصرية في منطقة إسدود حتى 30 مايو ولكن شهادة عبد الناصر العيانية تبدو أمينة. في تلك الفترة كانت إسدود تقع
على الخط الأمامي بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية. وتسلطت القوات الإسرائيلية على الطريق بين إسدود والمجدل غير أن المصريين نجحوا في طردها من الطريق واحتفطوا بخطوط امداداتهم من الجنوب.
كانت الأوامر الإسرائيلية تستهدف احتلال المجدل وإسدود ويبنه وقد شن الهجوم في 2 يونيو الأمر الذي سبب تشريد سكان كثيرين من المنطقة. وذكرت صحيفة "نيو يورك تييمز" "قتال دموي" في جنوب البلاد بجوار إسدود في 3 يونيو. وبعد عدة أيام في 9 و- 10 يونيو شنت القوات الإسرائيلية هجوما ثانيا. وفي يوم الغد دخلت الهدنة الأولى حيز التنفيذ. خلال الهدنة كان عبد الناصر مرابطا في إسدود حيث لاحظ النشاط العسكري الإسرائيلي خلال الهدنة. وفي الفترة ما بين الهدنتين شنت قوات المغاوير الإسرائيلية هجمات في منطقة إسدود. وحسب "نيو يورك تييمز" وصلت وحدة تدعى "ثعالب شمشون" إلى الخطوط المصرية في إسدود.
ولم يتم احتلال إسدود حتى نهاية الهدنة الثانية في أكتوبر 1948. في بداية عملية "يوآف" شن الهجوم على إسدود من البحر ومن الجو فسقطت البلدة في يد الإسرائيليين.
وجرت المراحل الأولى من عملية "يوآف" بتنسيق مع عملية "ههار" التي قام لواء غفعاتي بها. فاقتحم هذا اللواء عددا من القرى في قضاء الخليل في 22 - 23 أكتوبر وقد فر كثيرون من سكان القرى في قضاء الخليل قبل وصول الإسرائيليين وطُرد الأخرون إلى الخليل. وفي المراحل الأخيرة لعمليتي "ههار" و"يوآف" تم دمج المنطقتين واخترقت القاوت الإسرائيلية الخطوط المصرية في 23 أكتوبر 1948.
وجاء في صحيفة "نيو يورك تييمز" في 18 أكتوبر 1948 أن الإسرائيليين قاموا بقصف جوي في منطقة إسدود وكان المصريون هناك مهددين بالحصار والعزل وانسحبوا إلى الجنوب على الطريق الساحلي. ومن بقي من السكان المدنيين فر مع الطوابير المصرية قبل دخول القوات الإسرائيلية في 28 أكتوبر. وذكر بيني موريس أن حوالي 300 من سكان البلدة بقوا فيها رافعين الأعلام البيض فطردوا فورا إلى الجنوب. وجاء في بيان أصدره جيش الدفاع الإسرائيلي في يوم الاحتلال أن القوات الإسرائيلية دخلت إسدود بناء على طلب السكان المحليين.
ألمستعمرات الإسرائيلية على أرض إسدود
أقيمت مستعمرتا سدي عزياهو وشتوليم في 1950 إلى الشرق من موقع القرية.
أما مستعمرتا بني دروم وغان هدروم التان أسستا في سنتي 1949 و 1953 على التوالي فهما إلى الشمال من موقع القرية وعلى أراضيها.
نقاض القرية اليوم
دمرت معظم البيوت وغطتها الأعشاب والأشواك. إلى الجنوب من مركز القرية يقع المسجد الكبير الخرب. وما زالت أعمدته قائمة كما لا تزال بوابته المقوسة ونوافذه. وعلى بعد 200 متر إلى الجنوب الغربي تقع المدرستان. وبالقرب منهما ثمة مقام مهجور. ويمكن ملاحظة الشارع الرئيسي في وسط القرية من الشمال إلى الجنوب. وفي الجانب الشرقي من القرية تبقت عدة منازل. وقد غُرس بستان شجر الأفوكادو إلى جانب الطرف الشمالي للقرية وفي الطرف الشرقي تمتد حقول مزروعة.
سافرنا جنوباً بالشارع الرئيسي في "الجيتو" وتوجهنا يميناً الى "رحوفوت". خلال الطريق يشرح لنا عبدالله عن القرى الغائبة عن الأنظار, قبل "رحوفوت" من جهة اليسار قرية السوطرية, وقرب مفرق "بيلو" قرية عاقر, بعدها من اليمين قرية بشيت, وبمحاذاة "جديره" قرية قطرة. عندها انتهينا من محافظة الرملة في أيام الانتداب ودخلنا محافظة غزة: قرية برقا وثم …. ها نحن على أراضي اسدود. لكل قطعة أرض اسم, وعبدالله يعرفه. توجهنا يساراً في مفرق "أشدود". على جانبي الطريق كانت بيّارات, وحيث منازل المدينة اليوم كانت كروم عنب. عبرنا وادي سخرير ("لخيش") من على جسر "عد هلوم". هنا كان من المفروض أن يمر الحد بين الدولة العبرية والدولة العربية. هناك نقطة عسكرية وعمود بشكل مسلّة تخليداً لذكرى الشهداء المصريين. إلى هناك وصل الجيش المصري. عبرنا المدخل الجنوبي لمدينة "أشدود", عبرنا المنطقة الصناعية "عد هلوم", وتوجهنا يميناً في طريق ترابية قبل مبنى كتب عليه بأحرف توراتية بيضاء " مجرمو أوسلو للمحاكمة". هذا المبنى كان مقهى على الطريق إلى غزة. من الناحية الشرقية للطريق هناك بعض البيوت كانت حينها داخل بيارات اسدود.
نتوجه يساراً ثم يميناً ونصل الى المدرسة الابتدائية للبنين, فيها علّم عبدالله - حتى الاحتلال- اللغات والتاريخ والجغرافيا. بمحاذاتها المدرسة الابتدائية للبنات التي كانت في مراحل بناء واحتلت. هي من وراء الجدار ولكنها متاخمة له.
كان في اسدود ثلاثة مقامات اسلامية مقدسة: ضريحا ابراهيم المطبولي وسلمان الفارسي قد خربا, وضريح أحمد أبو إقبال لا زال قائماً. القبر نفسه يمكن أن يرمم.
حكى لنا عبد الله أن معظم السكان هربوا مع المصريين إلى المجدل. وكذلك زوجته وابنته بنت الثالثة. الشيوعيون في القرية (بينهم الرفيق عبد الله) اعتقدوا أنه يجب أن نبقى. الجيش الإسرائيلي عين "ساسون غوطليب" ( يقول عبد الله أنهم سموه الديراني لأنه جاء من خربة ديران, اليوم "رحوفوت"). بعد يوم أو بعض أيام طردوا كبار السن إلى المجدل, أما الأصغر سناً والشباب فقد نقلوا أسرى لموقع في "جديره". هناك قاموا بتعريبهم. كان بينهم أسرى مصريون كثيرون. بعد ذلك نقلوا الاسدوديين إلى "الجيتو" في المجدل التي كانت أيضاً قد احتلت, وعبد الله واحد منهم.
دخول الجيش الإسرائيلي إلى اسدود- نوفمبر 1948
من كتاب بيني موريس، تصحيح خطأ (תיקון טעות), "نزوح يحوي في طياته الرغبة والإكراه معاً: حول نقل سكان المجدل الباقين إلى غزة,1950". إصدار عام عوفيد, 2000 . ص 217-218 .
"في نوفمبر 1948 احتلت اسدود من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي. طائرات سلاح الجو ألقت مناشير تعد بمعاملة حسنة مع السكان العرب. بعد مغادرة المصريين, دخلت المدينة قوة من جيش الدفاع الإسرائيلي. في مركز البلدة تجمهر حوالي ثلاثمائة من السكان, وعلى المسجد وعلى بيوت أخرى رفعت أعلام بيضاء. حسب تقرير جيش الدفاع الإسرائيلي, بقي السكان في القرية ضد رغبة المصريين الذين أمروهم بالمغادرة وحذروا من أعمال انتقام من قبل اليهود. وفعلاً غادر الكثيرون من سكان البلدة وانتظروا في البيارات وتلال الرمال القريبة ليرقبوا تصرف اليهود.
أمر السكان بتسليم أسلحتهم وقام الجنود بالتفتيش عن أسلحة إضافية. وصل قائد المنطقة مع أوامر من قائد أركان الجبهة أن يسمح للسكان بالبقاء في القرية وإتاحة دخول السكان الذين كانوا خارجها. وقد عيّن حاكم عسكري للحفاظ على النظام وحماية الأملاك. ولكن بعد ذلك مباشرة وصلت أوامر إضافية بطرد السكان وقد تم الطرد فعلاً. وعندها بدأت أعمال نهب بالبلدة لم يستطع الجنود السيطرة عليها."
إسدود
(ترجم من الترجمة العبرية لكتاب وليد الخالدي "كي لا ننسى")
إسدود قبل 1948
كانت القرية موجودة على تل رملي يشرف على المساحات الواسعة إلى الشرق والشمال والجنوب ويواجه تلا مرتفعا إلى الغرب. وعلى ذلك التل إلى الغرب توجد أنقاض عدة بلدات قديمة كانت تحمل نفس الاسم. كانت إسدود موجودة على الطريق الساحلي قريبا من سكة الحديد وكانت تبعد عن البحر بخمس كيلوميترات. وكان اسمها تشويشا لأشدود وهو اسم بلدة قديمة تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد. وحسب التوراة (يهشوع 13 1-)3 كانت أشدود إحدى مدن الفلسطينيين الخمس البارزة. ومن الجدير أن نميز بينها وبين المدينة البحرية "أشدود-يام" التي كانت تبعد عن إسدود بخمس كيلوميترات توفرت فيها الكثبان الرملية. وبعد أن احتلها المكابيون في القرن الثاني قبل الميلاد تمت إقامتها من جديد بعد أقل من قرن كمدينة رومانية اسمها "أزوتوس". وخلال الفترة البيزنطية أصبحت بلدة الميناء أهم من البلدة الأم.
في القرن السابع دخلت إسدود في الحكم الإسلامي. وسماها الجغرافي الفارسي ابن خرداذبه باسم أزدود وذكر كونها محطة بريد بين الرملة وغزة. وقال السلطان المملوكي قايطباي إنه مر بها في طريقه إلى دمشق في سنة 1477 . في سنة 1596 كانت إسدود قرية في ناحية غزة وكان عدد سكانها 413 نسمة. وكانت تدفع الضرائب على عدة غلال مثل القمح والشعير والسمسم والفواكه وأيضا الماعز. ودوّن الرحال المصري الصوفي أسعد اللقيمي تفاصيل زيارته في خان إسدود في سنة 1730 بعد أن ترك غزة.
في نهاية القرن التاسع عشر كانت قرية إسدود تمتد على المنحدرات الشرقية لتل منخفض. وكان الخان (الخرب وقتئذ) موجودا إلى الجنوب الغربي من التل. وكانت البيوت مبنية بالطوب ومؤلفة من طابق واحد. وكانت مصدرا المياة الرئيسيان بئرا حجرية وبركة صغيرة تحيطهما بساتين النخيل والتين. وقدر بيديكر قبل الحرب العالمية الأولى عدد سكانها بحوالي 5000 نسمة فوصف قرية "على سفح تل يشرف عليه تل ثاني أكثر ارتفاعا".
كان معظم سكان إسدود من المسلمين وكان في القرية مسجدان ومكان أخر للعبادة ذو ثلاث قباب.
واعتقد القرويون أن أحد المساجد تبع سلمان الفارسي من صحابة النبي محمد وذلك اعتمادا على ما وجد داخل مسجد أقيم خلال فترة السلطان المملوكي ألظاهر بيبرس (1259-1277). وباعتقادهم أن المسجد الثاني تبع الشيخ المصري المتبولي وأن الثالث تبع أحمد أبو الاقبال.
وكانت مدرستان ابتدائيتان في إسدود: إحداهما للبنين (اعتبارا من سنة 1922) والثانية للبنات (اعتبارا من سنة 1924). وبلغ عدد التلاميذ 371 تلميذا و74 تلميذة في أواسط الأربعينات. كان لإسدود مجلس بلدي.
وكانت الزراعة اقتصاد القرية الأساسي وكانت أهم المحاصيل الفاكهة ولا سيما الحمضيات والعنب والتين إضافة إلى القمح. في سنتي 1944-1945 كان 1921 دونما مخصصا للحمضيات والموز و22170 دونما للحبوب و8322 دونما مرويا للبساتين. واعتمد السكان على الأمطار وعلى الآبار (بين 15 و35 متر عمقا) لري المزروعات. وبالإضافة إلى الزراعة كان السكان يعملون بالتجارة وكانت في إسدود عدة دكاكين وسوق أسبوعية كل يوم أربعاء الأمر الذي جذب سكان كثيرين من القرى المجاورة. وجرت التجارة حول محطة سكة الحديد التي كانت جزء من خط سكة الحديد الساحلي.
كانت في جوار إسدود 9 خرب تضم تقايا فخارية متنوعة وأرضية من الفسيفساء وصهاريج قديمة ومعصرة زيتون. وكشفت التنقيبات الآثرية عن أن الموقع بقي آهلا بصورة مستمرة من القرن السابع عشر تقريبا وحتى سنة 1948. وازدهرت القرية في الفترة القديمة وبلغت إلى ذروتها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر قبل الميلاد.
ألاحتلال والتهجير
عندما دخلت القوات المصرية فلسطين في 15 من شهر أيار\ مايو 1948 كان أهم هدف سيطرة منطقة إسدود. ففرضت هذه المهمة على الكتيبة التاسعة لكن في 22 مايو وصلت كتيبة جديدة إلى الجبهة وتسلطت الكتيبة السادسة على إسدود كما ذكر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كان آنئذ ضابط في الكتيبة). ما ذكرت الصحافة الأجنبية وجود أي قوة مصرية في منطقة إسدود حتى 30 مايو ولكن شهادة عبد الناصر العيانية تبدو أمينة. في تلك الفترة كانت إسدود تقع
على الخط الأمامي بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية. وتسلطت القوات الإسرائيلية على الطريق بين إسدود والمجدل غير أن المصريين نجحوا في طردها من الطريق واحتفطوا بخطوط امداداتهم من الجنوب.
كانت الأوامر الإسرائيلية تستهدف احتلال المجدل وإسدود ويبنه وقد شن الهجوم في 2 يونيو الأمر الذي سبب تشريد سكان كثيرين من المنطقة. وذكرت صحيفة "نيو يورك تييمز" "قتال دموي" في جنوب البلاد بجوار إسدود في 3 يونيو. وبعد عدة أيام في 9 و- 10 يونيو شنت القوات الإسرائيلية هجوما ثانيا. وفي يوم الغد دخلت الهدنة الأولى حيز التنفيذ. خلال الهدنة كان عبد الناصر مرابطا في إسدود حيث لاحظ النشاط العسكري الإسرائيلي خلال الهدنة. وفي الفترة ما بين الهدنتين شنت قوات المغاوير الإسرائيلية هجمات في منطقة إسدود. وحسب "نيو يورك تييمز" وصلت وحدة تدعى "ثعالب شمشون" إلى الخطوط المصرية في إسدود.
ولم يتم احتلال إسدود حتى نهاية الهدنة الثانية في أكتوبر 1948. في بداية عملية "يوآف" شن الهجوم على إسدود من البحر ومن الجو فسقطت البلدة في يد الإسرائيليين.
وجرت المراحل الأولى من عملية "يوآف" بتنسيق مع عملية "ههار" التي قام لواء غفعاتي بها. فاقتحم هذا اللواء عددا من القرى في قضاء الخليل في 22 - 23 أكتوبر وقد فر كثيرون من سكان القرى في قضاء الخليل قبل وصول الإسرائيليين وطُرد الأخرون إلى الخليل. وفي المراحل الأخيرة لعمليتي "ههار" و"يوآف" تم دمج المنطقتين واخترقت القاوت الإسرائيلية الخطوط المصرية في 23 أكتوبر 1948.
وجاء في صحيفة "نيو يورك تييمز" في 18 أكتوبر 1948 أن الإسرائيليين قاموا بقصف جوي في منطقة إسدود وكان المصريون هناك مهددين بالحصار والعزل وانسحبوا إلى الجنوب على الطريق الساحلي. ومن بقي من السكان المدنيين فر مع الطوابير المصرية قبل دخول القوات الإسرائيلية في 28 أكتوبر. وذكر بيني موريس أن حوالي 300 من سكان البلدة بقوا فيها رافعين الأعلام البيض فطردوا فورا إلى الجنوب. وجاء في بيان أصدره جيش الدفاع الإسرائيلي في يوم الاحتلال أن القوات الإسرائيلية دخلت إسدود بناء على طلب السكان المحليين.
ألمستعمرات الإسرائيلية على أرض إسدود
أقيمت مستعمرتا سدي عزياهو وشتوليم في 1950 إلى الشرق من موقع القرية.
أما مستعمرتا بني دروم وغان هدروم التان أسستا في سنتي 1949 و 1953 على التوالي فهما إلى الشمال من موقع القرية وعلى أراضيها.
نقاض القرية اليوم
دمرت معظم البيوت وغطتها الأعشاب والأشواك. إلى الجنوب من مركز القرية يقع المسجد الكبير الخرب. وما زالت أعمدته قائمة كما لا تزال بوابته المقوسة ونوافذه. وعلى بعد 200 متر إلى الجنوب الغربي تقع المدرستان. وبالقرب منهما ثمة مقام مهجور. ويمكن ملاحظة الشارع الرئيسي في وسط القرية من الشمال إلى الجنوب. وفي الجانب الشرقي من القرية تبقت عدة منازل. وقد غُرس بستان شجر الأفوكادو إلى جانب الطرف الشمالي للقرية وفي الطرف الشرقي تمتد حقول مزروعة.
تعليق