أخبار ظلت تمزق القلوب حتى لم يعد بالقلوب موضعا يتمزق ، وتهز الجبال حتى تنهار وتتشقق ، وصمت الذكور الطويل ، يحرق أكباد الرجال ، آآآآه من بكاء الرجال ، آآآآه من صرخات الفؤاد الجريح ، آآآه من صمت الذكور ، آآآه ، آآآه من دماء تسيل ، آآآه من عيون تفيض ، آآآآه من صرخات طفل رضيع ، وشيخ وجيع ، وأم ثكلى ، وصبية وصبايا ترامت أشلاءهم على قارعة الطريق وهم أحياء ، لا فرق بين الحياة والممات في فلسطين الحبيبة ، فلسطين الحزينة ، أعتذر إليك يا فلسطين ، أعتذر من هذا الإعتذار ، وهل يجوز الإعتذار ؟ .
ترى هل حالنا حال الذين تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ، حينما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يجد ما يحملهم عليه ؟؟؟ ، وهل إعتذارنا هو إعتذار القاعدين من غير أولي الضرر ؟؟؟ وهل هو عذر لنا أن الذين يقودننا ذكورا اختاروا لنا أن نكون مع الخوالف ، فسدوا الطريق ، وأغلقوا الحدود ، وقتلوا فينا الرجولة والفتوة والمروءة . والنخوة فيا حسرة على حياتنا هذه ، ويا أسفا على عيشتنا هذه .
خبر مثير ، إعلام شاطر ، مخضرم ، ينقل الأحداث إلينا ، ونحن وذكورنا الكبار ، جلوسا أو على جنوبنا نتفرج ، وكأننا في مشهد تمثيلي ، وليس في واقع حقيقي ، فما يلبس ذلك المشهد أن يترك بعض الأثر ، ثم ننصرف نحن الذكور، إلى حيث القصور ، والقيادات العامة ، والوزارات ، والهيئات والمؤسسات ، والشركات ، لنمارس أعمالنا كأننا لم نسمع شيئا أو لم نشاهد شيئا .
إخواني – أخواتي .
مابالنا لا نزال سكارى في فخ الحوار الساخن حول الخطأ والصواب ، ما بالنا تائهين في إغماءة طويلة نجادل عنا وعنهم ، حول الكسب والخسارة ، ما بالنا كدنا أن نصدق بأننا قد متنا وتم تشيعنا ودفنا وحسي علينا التراب وقرأت علينا الفاتحة . ما بال غضبتنا لا تزال لا تراوح دعوة غيرنا ليتحرك ويتخذ موقفا لصالحنا ، ما بال حرارتنا لا تزال عند درجة يا أيها الحكام تحركوا ، يا مجلس الأمن تحرك ، ما بال صوتنا لا يزال حبيس البكاء والصراخ ونداء الإستغاثة ، ما بالنا ننتظر سرابا ، وننتظر وهما ، وننتظر من عدونا أن يرأف بنا ويرحمنا ، وننتظر من عدونا أن يخلصنا من بين أنيابه ، ويفك أسرنا ، ويخفف علينا .
هي ليست لحظة للحوار الثائر في واقعنا المر والأليم ، هو ليس حجر نرمي به على ماء راكد ، ودماء ساكنة ، باردة ، وأعين جبانة نائمة ، وأصوات مكتومة ، ليحركها ، أو يموجها ، أو يوغظها من ثباتها الطويل .
ولكن ، كأني بالصخور والحجارة بدت ألين قلوبنا من قلوب الذكور ، بدت ألطف وأرق من قلوب الأقزام ، بل الأصنام ، الذين سطوا على دفة القيادة في مؤسسات هذه الأمة السياسية والعسكرية والأخلاقية ، فأحالوا ماضيها إلى رماد ، وحاضرها إلى سواد ، ومستقبلها إلى كساد .
ألم يأن لرجال تفطرت أكبادهم ، وتمزقت قلوبهم ، وإبيضت أعينهم من الحزن ، أن يدعوننا لنهب فنغير هذه المؤسسات الميتة ، بكل أسمائها وأهدافها وأحجامها وأعدادها ، ألم يأن لرجال نحبهم ونجلهم ونتعلم منهم ونأخذ الحكمة منهم ، أن يدعونا لننظر لقياداتنا ، لرموزنا الوطنية والسياسية ، والإعلامية ، لننظر إليهم مليا ، ثم نتساءل فقط ، ترى أهم أهلا لتمثيل عزتنا وكرامتنا ، أهم أهلا للتعبير عن صلواتنا ، وعن طموحاتنا ، وعن أخلاقنا ، وعن رحمتنا ، وعن شدتنا ، وعن رسالتنا ، وعن خيريتنا ، وعن عزتنا ، وعن كرامتنا ، وعن مروءتنا .
ألم يأن لمشايخنا ورجالنا الذين هم أئمتنا في الصلاة والزكاة والعلم والعمل ، أن يدعونا فقط لنتساءل ، أين جيوشنا ، أين دباباتنا ، أين طائراتنا ، أين قواتنا البرية والجوية ، أين الحرس الوطني ، أين الحرس الجمهوري ، أين وزارات الدفاع ، أين الكليات الحربية ، أين المصانع الحربية ،أين القوات المحمولة جوا ، أين القوات البحرية .
أين كل هذا الزخم العسكري ، الذي نغني له بأناشيد مقاتلة ، وكلمات حارة ، ونحتفل به سنويا على منصات التخريج ، ونسعد بإستعراضات جوية وبحرية وبرية ، مثيرة ، ثم ينتهي الدور والهدف والغاية بإستعراض القوة ، ثم تعود بعده هذه القوى العسكرية إلى أوكارها وأقفاصها لتختفي هناك ، لترقد هنا ، لتنام هناك ، لتندس هناك ، لتصدأ هناك ، لتشيخ وتضعف هناك ، ثم نبدلها بغيرها لذات الغرض ، ولذات العرض العسكري ، في مشهد عجيب وغريب ؟؟!! ومهين وذليل وحقير وهذيل .
ألم يأن لنا أن ندرك ونعلم ونعي بأن الرموز الغربية والشرقية حينما تتحرك في ديارنا ، مكشرة عن أنيابها ، أو ضاحكة ساخرة منا ، فإنها تتحرك بقوة دافعة قوية تحمل طموحات الغرب والشرق كله في النيل من ديارنا ، في دك مقوماتنا ، في طمس مقدساتنا وهويتنا ، في أخذ مواردنا ، في كسر شوكتنا ، في تفتيت وحدتنا ، في إضعاف قوتنا ، في تضييع هيبتنا ، وقتل عزتنا وكرامتنا ، وطمس هويتنا الحضارية .
ألم يأن لنا أن نصدق ونتأكد من أن كل رمز غربي شرقي في بلادنا وهو خب لئيم ، يصول ويجول في بلادنا ، في غفلة وإغماءة طويلة حزينة مبكية ، تروي قصة المفارقة الكبيرة بينا مراد الله لنا كخير أمة أخرجت للناس . وبين زهدنا في هذا الدور العظيم وسيطرة الوهن علينا .
تعليق