إنه الحب الأول
مرة أخرى يطارده .. يفاجئه
وهو يجلس وحيداً مع البحر الذي كثيرا ماانفرد به .
سابحاً بنظره وأفكاره إلى بعيد
حيث عناق الماء والسماء
حيث طيور بلا عدد تسافر .. وتعود
حيث الشمس تغادر موانئ مدينته
ولاتنظر خلفها ...
حبيبته الأولى .. حبه الكبير .. درس الحب الأول
حصة المشاعر الدافئة
حصاد العمر والذكريات .. تخرج من بين الأمواج مبللة
كعـروس
لاينقصها إلا ثوب ابيض ..!!
هل نسيهــا ؟
كان يعتقد ذلك .. كان يظن أنه طواها في صندوق مغلق
حتى آخر الزمن .
كان يتمنى لو أنها امرأة من خيالٍ قابلها في
حلم لايتكرر .!!
وهاهي تعود بنفس ملامحها التي لاتُمحى
بنفس حضورها الذي لايغفل
بنفس طلتها التي لايمكن تجاهلها
تعود ...
مثل أغنية لاتقاوم
مثل زهرة لاتجف
مثل قطرة مطر لاتتبخر
مثل قمر لايغيب
يقتحم ذاكرته عند البحر كأنها عاصفة
كأنها إعصار
كأنها عطر لايرحل ...
لماذا الآن يتذكرها ؟!
لماذا صنع من حبات الرمل صورة لها ؟!
لماذا طرز من نسمة هواء عابرة على وحدته ,
صوتها حين كانت تهمس له بكل حروف الحب
فيتحول إلى عصفور مهاجر
إلى شواطئ أنوثتها ..؟
هل لأن البحر كان الشاهد الوحيد على حبهما ..؟
هل لأن الليل كان وسادة أحلامهما ..؟
هل لأنه الآن يحب امرأة أخرى ..؟
أو يبدأ قصته مع قلب غيرهــا ..؟
مع أي قلب غيره هي إذن ..؟
في أي مدينة حب تعيش ؟
هل أغلقت مشاعرها عن الحب .. بعده ؟
هل اكتفت به حبيبا .. حتى بعد رحيله عنها ؟
هو أحبّ .. أو حاول أن يحب سواها ..؟
فهل من العدل بأن يطالبها بألا تحب سواه ..؟
أكلته الغيرة .. إن هي كانت الآن تفكر في رجل آخر
التهمته الحيرة .. إن هو اعترف لامرأة على وشك أن يحبها بأنه مازال
على حب قديم .. يقفز إلى سفينته كلما ظن أنه هرب منه ..
وقرر أن يشفى من حيرته ..
أن يعاهد البحر على اتفاقية لن يطعن فيها أبداً
اتفاقية تنص بنودها على الاخلاص والبراءة .
إما أن يستمر مخلصا لحب قديم .. متخلصا من أي بوادر
حب قديم ...
وإما أن يطلب المساعدة من حبه الجديد كي ينقذه من بقايا
حب قديم انفرد به وحده ..!!
واختار بعد لحظات تأمل عميقة
أن يعترف مهما كان الأمر صعبا ومرا ومربكا
في الايام التالية .. استطاع أن يهزم تردده
فك عقدة ذنبه .. واعترف
وبينما كان يلملم نفسه أمامها معلناً نهاية حب في أول السطر .
فاجأته بأنها كانت تعرف ..
تدرك بمشاعر أنثى أن في القلب حباً قديماً
لايريد أن يرحل
وأن في الذاكرة امرأة تسكن تاريخه
تهدده بحريق في أي قصة حب جديدة ..
تعرف ..
لكنها تحبه .. تشعر بأنه حبها هي
لاحب امرأة أخرى .
قالت له : إنها تعرف قيمة حب سبقها إلى قلبه مبكراً
فاستوطنه . ورسم دنيا غير الدنيا
دنيا لاتتكلم إلا لغة الحب الأول
ورغم ذلك فهي قادرة على أن تصنع من الحب الثاني
دنيا أجمل وأروع ..
وإنها قد قبلت التحدي .. تتحدى غيرها
أن تحبه أكثر منها وأعظم ..!!
قالت له : سأمحو معك الماضي الذي يطاردك
وأكتب بكَ مستقبلاً يؤنس وحدتك
قالت له أكثر مما توقع
كلمته عن البحر كيف سيصبح معها
عن الشمس كيف ستشرق بها
عن الليل كيف سيبدو وهو لها ...
قالت له :
أنها امرأة تثق بحبها .. وتثق بقلبه
وتثق بأن الأيام تدخر لها السعادة
التي انتظرتها العمر كله ...
ومازال حين يعــود إلى البحر يسأل ..
من ينتصر
حبه الأول ... أم الثاني
امرأة يفتقدها ...
أم امرأة لايريد أن يفتقدها ؟
والبحر لايطرح الإجابة
والزمن لايتوقف .!!!
تعليق