رأينا كيف أن أحداث هذه القصة سارت منذ أن بدأت باجتهاد الأستاذ ضياء عبد الرحمن ليدرس نهى وكيف أنها تفوقت بامتياز وكانت المفاجأة أن ماتت والدتها ساعة ظهور الدرجات وكيف أن حياتها تحولت حزينة بوفاة أمها وتمضي الأيام ويتزوج الأستاذ ضياء من غادة العريبى وأثناء الفرح ير نور أخو غادة نهى وهى فى الفرح فيعجب بها ويريد أن يخطبها ثم .....
كان الاتفاق على حضور نور الى الاستاذ غانم لكى يراه وهذا ما قاله للحاج خلف على التليفون .
(الفصل الخامس والأخير )
أما الساعات التالــــية فقد مرت متـــثاقلة على كلا العروسين وتفكـــــيرهما كيف سيــــكون
لقاؤهما في وجود الأهل وماذا بخصوص الحضـــور والقبـــــول وماذا بخصوص المستقبل وأخيراً
أي ملابـــس سوف يرتدونها .وها هي تقترب لحظات الفرحة التي تشتاق لها نهى وكـــذلك نور
إنها تقترب بصورة مشرقة لتزين الحياة لهما , فسريعاً جـــاء الغد وســـريعاً تمت الموافقة والقبول .
وملأت الأنوار والـــــــورود بيت كلٍ منهما وابتســـمت الدنيا بالقدر الذي أدخــــــل البهجة والسرور
على الأسرتين والسعادة ورونقها المتدفق على القلبين وقد أحسا بها كلاهما وكأنها سلسبيلاً من
الماء يرتوي منه من هو متعطـش لإزالة الحرمان عن نفسه بعدما صادف متاعباً مؤلمة وصعاباً قهـــرية
عبر الأيام . إما بسبـــب غدر الحياة بوجــهٍ خاص أو بسبب الوضع المأســـــــاوي في فلســــطين
بوجهٍ عام . وكان للخطوبة وحفل الزفاف أكــــبر الأثر في تعميق الفرحة وكسر حاجــــــز
الخوف والقلق من مستقبل هذه الزيجة . وكان الكل يحكى ويتحــــاكى في ليلة العرس . وما أجملـــــــها
من ليلة امتــــدت فيها ساعات التهاني والتبريكات حتى منتصف الليل لأن معارف ومدعوين الحـــاج
خلف والأســـــــتاذ غانم كانوا يحضرون من كافة المناطق بالقطاع . وبعــــد ذلك بأسبوعين اتفق الجميع
وبما فيهم العروســـــان ان يأخذ نور عروسه من بيت أبيها مع تفاريح في نطاق ضــــيق بسبب توهج
انتفـاضة الأقصى في كل ربوع فلسطين والتوتر المصاحب للحالة التي تعيــش فيها مدن
قطــــــاع غزة ومدن الضفة الغربية وبالفعل ودّعت هي والدها وأخيــــــها الصغير لتنتقل لحياتها الجديدة .
ورغم السعادة التي ملأت قلبها وكيانـــــها بفضل الله سبحانه وتعالى وتكرمه عليها بزوج مثــالي
إلا أن بالها دائماً مشغول على والدها وأخيها . مرت أيام واكتـــــسبت ثقة الجميع , ثقة زوجها
ووالدته وعمته وكذلك والده الحاج خلف أما ابنة عمته فقد أحبتها كثيراً وكان هذا واضحاً وضوحاً جــــلياً
عندما كان يسألها نور: كيف عروســـــتي ؟! كانت ترد وتقول له : حلوة وطيبة وربنا يحفظها لك . وبالمثل
أحبت نهى الجميع وأضفت على البيت بهجة وسعادة . ولقد كانت تطـــمئن يومياً بالتليفون على والدها
وأخيها هذا كان خلال الأسبـــوعين الأول والثاني من زواجها وبعد ذلك بدأت تذهب لتقــــيم معهما نهار
كل يوم خميس وكان يأتي عريسها ليصحبها في رحلة العودة حيث الوقت يكون قد تأخر وحتى لا يكــــــون
قلق عليها . ولكن في زيارتها الأخـــــــيرة , كان والدها يشكو من ضيق في التنفس وكانت تصر على
البقاء بجانبه حتى تطمئن عليه وكان يطمئنها على نفسه حتى تذهب مع زوجها وبعد يومين بالتحديد
تفاقمت أزمته الصحية . ورغم أنها أحضرت له الطبيب والعلاج إلا إنه فارق الحياة وبكى أخيها
محسن بكاءً شديداً فقد أصبح المسكين يتيم الأبوين وهو مازال صغيراً , أما عنها فقد تحولت
لحظات السعادة التي تعيشها إلى أحزان جعلتها تغوص في مستنقع من الدموع
وكانت تتذكر والدتها التي توفيت من قبل وكانت تترحم عليهما . أما نور وعائلته فكانوا
يحاولون التخفيف عنها . وكانت مراسم العزاء في بيتهم وفيه كانت تتجمع النساء وعلى مقربة من البيت
نـُصِب العزاء للرجال وكان يتقبل العزاء ابن عم الأستاذ غانم الحاج عوض المفلح
وهو أسمر قمحي اللون , كبير السن حوالي 68 عاماً وله شارب طويل داهمته شعيرات
بيضاء وهو طويل القامة وعرف عنه أنه يسكن في حي السلام مع أولاده منذ خمس سنوات تقريباً ولقد
جاء نتيجة اتصال من نور وكان ذلك بعدما سأل هو زوجته نهى : من مِـن أقارب والدك يمكن أن يتقبل
العزاء معنا ؟ فأعطت له رقم هاتف وقالت : هذا هو رقم ابن عم والدي الحاج عوض والذي حضر يوم
عرسنا ألا تذكره ؟.وبالفعل أبلغه بالخبر وجاء ليتلقى العزاء هو والحاج خلف العريبى ونور وكذلك الابن
الصغير محسن والذي لم يجف دمعه لحظة . وها هو يغوص في عادات وتقاليد متوارثة للعزاء لا يدرك
أبعادها . أما عن الأستاذ ضياء فقد جاء أيضاً ليؤدى الواجب وأثناء جلوس الحاج عوض والحاج خلف معاً ,
قال الحاج عوض وأسلوبه أقرب للاقتراح : أنا أفكر جيداً في أخذ ابننا الصغير محسن ليتربى مع أولادي .
فجأة قال له الحاج خلف : يبدو أن هذا الأمر صعب جداً لأن أخته لن تتخلى عنه . قال
الحاج عوض : دعنا نسأل صاحب الشأن وأشار بيده منادياً بإحدى اللهجات الفلسطينية الغير
مستغربة …... محسن , تعال بدى إياك . وأقبل محسن عليه ثم قال : نعم يا عمو . قال الحاج ما
رأيك إذا قلت لك , أنا عندي رغبة إن أنت تعيش عندي مع أولادي وسأوفر لك كل ما تحتاجه . قال
محسن : أشكرك يا عمو لكنى لا أستطيع ان أتخلى عن أختي نهى , هي قالت لي أنها
ستأخذني لأعيش معها وسوف تحولني من مدرستي إلى مدرسة جديدة . قال الحاج :فقط الآن اطمئنيت
عليك وبالفعل كل شيئ أصبح على ما يرام . وانتقل محسن إلى بيت زوج أخته في تل السلطان
وكان سعيداً بذلك وسعدت به كل عائلة الحاج خلف أما عن أخته فكانت قد شكرت زوجها ووالده
الحاج لأنهما سمحا لإنتقال محسن عندهما ولم يمانعا وكانا يشاركاها الفكرة حتى لا تنشغل
على أخيها . لقد مر أسبوع في منتهى الروعة وتأقلم سريعاً محسن مع زملائه وأصحابه الجدد في
الدراسة إلا أنه قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فقد حدثت الفاجعة والصدمة التي ليس
بعدها صدمة فقد ذهب محسن مع أصحابه الجدد إلى موقع قديم للاحتلال فقد شجعهم احد الأصحاب
كأنها رحلة ترفيهية لأطفال بعد يوم دراسي , كان يقول لهم هناك أشياء حلوة إطارات , كابلات , ذخائر من
الرصاص وأكواع . كان محسن ضمن ستة أطفال وعندما ابتعد عنهم في الموقع يبحث كما يبحثون
وجد جسم غريب ملفتاً للنظر وبمجرد وضع يده عليه انبعث منه انفجاراً مدوياً قذف بجسده الصغير بعيداً
وغطى هذا الجسد النحيل حرقاً شنيعاً مضرجاً بالدماء وعلى الفور لفظ أنفاسه وأصبح جثة
هامدة أما باقي الأطفال فقد أصيبوا معظمهم بسبب شظايا فظيعة تطايرت أثناء الانفجار
وجرى الناس القريبين من الموقع ليتبينوا الأمر وطلب احد الأشخاص الإسعاف ونقل
الجميع إلى المستشفى وحملت جثة ذلك الشاب الصغير في إسعاف آخر ليجنبوا الأطفال
المصابين مس أنفسهم بالخوف والفزع والهلع . كل هذا حدث وأخته لم تعلم فقد علم نور وعائلة
الحاج خلف وكانوا يريدون التأني في إخبارها لأنهم علموا أنها تحمل جنيناً في أحشائها وما أن
علمت من نور حتى بعد أن مهد لذلك انهارت انهياراً شديداً وكان نور يقول لها : أنتِ إنسانة مؤمنة
بالله وقدره وأنا خائف عليكي لأنك حامل لكنها بدت تتغيب عن الوعي ولسانها مازال يردد هذه
الكلمات : محسن يا أخي يا حبيبي يا ابن أمي وأبى وكانت تبكى بحرقة وتردد الكلمات مرة أخرى
ولولا التخفيف عنها من قبل زوجها نور والحاج خلف والعائلة بأسرها لأصابها إعياء شديد كما أنها
كانت على وشك أن تتعرض لهبوط مفاجئ في الدورة الدموية إلا أن ذلك لم يحدث والله ستر فقد
سارع نور بتقديم كوب من عصير الفواكه لها بعدما أعده بنفسه وصمم على أن تشربه .
وكان يقول لها الحمد لله قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله عز وجل لنا وودعت أخاها وتم دفنه بجانب
قبر والدته , أما بجانب قبر والده فقد كانت القبور مكتظة ومتلاصقة فقد احتوت مقبرة الشهداء على
أعداد مهولة من الرجال والأطفال والنساء ارتقوا إلى العلا ونحتسبهم عند الله جميعاً شهداء ولا نزكى
على الله أحد . وتمر الأيام والغيام المظلم يغطى أجواء المدن الفلسطينية حتى انه حج
النور في معظم أوقات النهار .
الكل ينتظر شمساً للحرية لتجمل حقيقة الصمود لأبناء هذا الشعب على هذه الأرض .
الكل ينتظر أن تتبدل الأحوال إلى الأحسن . الكل ينتظر أن تخفف أو تزول عنا كل حقيقة
مرة كتلك التي كانت تنتظرها عائلة الحاج خلف العريبى وكذلك بطلة قصتنا وأربع عائلات أخرى . إنها
مأساة جديدة تضاف إلى مآسي شعبنا الفلسطيني . وعلينا ان نوضح ونسلط الضوء على
المشهد قبل الأخير , إنه أيضاً مشهد مؤلم ومظلم . لقد كان يوجد اشتباك مسلح بالقرب من معبر صوفا
بين بعض المقاومين وآليات لقوات الاحتلال على أثره سقطت قذيفة على موقع الأمن الوطني
القريب من مكانه فدمر الموقع بالكامل . واستشهد خمسة من أفراد جهاز الأمن الوطني في
رفح وكان من بينهم نور العريبى زوج نهى . كان ذلك بعد سنة أي "12شهر" من زواجه , لكم أن تتخيلوا
حجم هذه المأساة ووقعها على هذه العائلات التي فقدت وتفقد أبناءها وهم في مقتبل العمر .
وبالنسبة لنهى ورحيل زوجها فهذه هي كانت إحدى الصدمات المفجعة التي تلقتها هنا على ارض الرباط
فى فلسطين حتى أنها لم تجد دموعاً في عينيها فقد سالت آخر دمعتين وآخر قطرتين على زوجها نور
بعدهما جف الدمع بينما قلبها المرهف كان يعتصر حزناً لفراق كل الأحباب ,
والمشهد الأخير كان بعد وداع زوجها وكانت قد أتمت تسعة شهور من الحمل لتذهب إلى
المستشفى وتلد توأماً جميلاً , طفلان بسم الله ما شاء الله كان جمالهما حديث أطباء وممرضي
المستشفى ولقد فرح بهما الحاج خلف وأسرته , ورغم أن نهى ما زالت شابة إلا أنها
لن تتزوج وسوف تعيش من أجلهما وعلى ذكرى زوجها .
اختارت لابنها الأول اسم : صهيب ولابنها الثاني اسم : باسل ولقد كان بين طفليها في لحظة الميلاد
سبعة دقائق فقط ولقد قال لها حماها الحاج خلف : إن شاء الله سنربيهما أحسن تربية وآملين أن
يكونا ذكرى عطرة وطيبة لوالديهما , وأضاف : ما أجمل أن تنقلب كل الحقائق التي نخشاها إلى حقيقة
كبرى وشاملة تريحنا ونطل من خلالها على ما سجله التاريخ من تضحيات لإثبات الذات والانتصار من أجل
هذه الأرض المباركة لكن علينا فقط أن نتسلح بالإيمان حتى يجد الأمل طريقاً وهاجاً تشرق منه شمس
الحرية والاستقلال والدولة والديمقراطية . وإلى هنا أسدل الستار على هذه ا لقصة الأصيلة ,
ا لأصلية والمتأصلة في جذور أعماق الواقع الفلسطيني .
إنها تأليف الكاتب الفلسطيني /صلاح ديب .
....................................................................
كلمة المؤلف :
أسماء هذه القصة إن اقتربت من كونها أسماء حقيقية فهي في معظمها قد تغيرت بعض الشئ وهذا كله يرجع لفكر وخيال الكاتب
وحتى لا نسبب ألاماً أو أوجاعاً لمن يعنيهم الأمر. والله سبحانه وتعالى هو الموفق
صلاح ديب
....................................................................
كلمة المؤلف :
أسماء هذه القصة إن اقتربت من كونها أسماء حقيقية فهي في معظمها قد تغيرت بعض الشئ وهذا كله يرجع لفكر وخيال الكاتب
وحتى لا نسبب ألاماً أو أوجاعاً لمن يعنيهم الأمر. والله سبحانه وتعالى هو الموفق
صلاح ديب
لمحة عن الكاتب
*من مواليد 1961م .
*دارس للغة العربية والفرنسية .
*ولقد برع في إتقان قواعد اللغتين .
*عائد من الشتات إلى فلسطين سنة 1998م .
*عمل مدرساً في ج .م.ع .
*شارك في بعض مراكز اللغات في فلسطين .
*عاشق للرقى والتطور خصوصاً في مجال اللغات .
*مؤمن بالمبادئ الإسلامية والاجتماعية .
*محباً للسفر لاكتساب الخبرة والفائدة من ذلك .
*كاره لظلمة العقل وجهل الفكر .
*يمجد القلم وريشة الرسام والطبيعة الخضراء بما
فيها من أشجار وأزهار وورود .
*دارس للغة العربية والفرنسية .
*ولقد برع في إتقان قواعد اللغتين .
*عائد من الشتات إلى فلسطين سنة 1998م .
*عمل مدرساً في ج .م.ع .
*شارك في بعض مراكز اللغات في فلسطين .
*عاشق للرقى والتطور خصوصاً في مجال اللغات .
*مؤمن بالمبادئ الإسلامية والاجتماعية .
*محباً للسفر لاكتساب الخبرة والفائدة من ذلك .
*كاره لظلمة العقل وجهل الفكر .
*يمجد القلم وريشة الرسام والطبيعة الخضراء بما
فيها من أشجار وأزهار وورود .
نتمنى تكون القصة أعجبتكم إن شاء الله
تعليق