بقلم/ عبير صلاح الدين
--------------------------------------------------------------------------------
في تصريحات لشيخ الأزهر مؤخرًا أدان التحرش الجنسي والزنا بالمحارم كظواهر شاذة غريبة على المجتمع المصري، وأرجعها للتوسع المدني وضعف الوازع الديني والتساهل في آداب الاختلاط.
وفي "اعترافات ليلية" -أحد البرامج الناجحة جماهيرياً بالإذاعة المصرية، والذي تقدمه المذيعة "بثينة كامل" قارئة نشرة الأخبار المعروفة بالقناة الأولى بالتلفاز المصري- استطاع البرنامج أن يحصد الكثير من الجوائز، وأن يجذب أسماع الكثيرين ليستمعوا إلى اعترافات الناس ويتعلموا منها.. ويتعرفوا على أدق الأسرار التي تحجبها الأبواب وتكتمها الصدور، ولولا أنها تخرج من أفواه أصحابها لاعتبرناها ضرباً من الخيال الذي لا يصدقه عقل ولا يستوعبه ضمير.
وتمثل مشكلات التحرشات الجنسية التي تصل إلى الاعتداءات الجنسية أحياناً شريحة كبيرة ضمن هذه الاعترافات التي تتحول فيها الفتيات من ضحايا إلى مجرمات في نظر المجتمع. ولأن بعض هذه الاعترافات قاسية فإنه لم يذع معظمها من خلال البرنامج، خاصة وأن بعضها كان يأتي للبرنامج في صورة رسائل مكتوبة، ولهذا جمعت المذيعة حوالي 120 اعترافاً ونشرتها في كتاب يحمل نفس اسم البرنامج "اعترافات ليلية" وذيلت بعض الاعترافات برأي الطب النفسي.
وسألنا كاتبة الاعترافات ومذيعة البرنامج بثينة كامل:
ما الأسباب الحقيقية وراء وقوع هذا النوع من الجرائم؟ ولماذا تظل في صورة اعترافات فقط؟
بثينة كامل: هذا النوع من الاعترافات يمثل شريحة كبيرة من الاعترافات التي يستقبلها البرنامج، وبالنسبة للكتاب فقد أخذت بعض الاعترافات لأنبّه الأمهات والآباء إلى أن ما نعتبره أموراً عادية في حياتنا قد يسبب كوارث فيما بعد؛ فقد تترك الأم ابنتها الطفلة مع الجارة حتى تعود من عملها ولا تجد مشكلة في وجود ابن تلك الجارة الشاب مع ابنتها الطفلة أو تترك بنتها مع خالتها وابن خالتها، وقد تحدث المشكلة أو التحرش من البقال أو عمال الصيانة المنزلية أو غيرهم ممن تتعامل معهم الطفلة في هذه المرحلة، ولا تدرك الفتاة حقيقة ما حدث لها إلا بعد أن تصل لسن الزواج؛ وهنا تنتابها حالة من الارتباك والحيرة ولا تعرف بالضبط إذا كانت ما زالت محتفظة بعذريتها أم لا، خاصة وأن مجتمعنا يعتبر العذرية هي مستقبل البنت، وبدون وجود هذه العذرية لا زواج للبنت ولا مستقبل لها. ولهذا نحن ننبه الأمهات لمناطق الخطر هذه؛ لأن الوقاية خير من العلاج. ومن ناحية أخرى: على الأهل أن يتعاملوا مع المشكلة بوعي وأن تكون هناك صداقة ومصارحة بين الأم وابنتها.
وهل لاختلاف المستوى الثقافي للأهل دور في رد فعلهم تجاه هذه المشكلة؟
بثينة كامل: المفاهيم المسيطرة على مجتمعنا تحوّل الفتاة من ضحية تم الاعتداء عليها إلى مجرمة ومفرطة في عرضها إن هي نطقت بما حدث لها، ولا تحصل سوى على الفضيحة وضياع السمعة والمستقبل، حتى الأستاذة الجامعية التي هزت حادثة الاعتداء عليها الرأي العام في مصر منذ شهور قليلة، عند النظر إلى تفاصيل القضية تكتشف أن المجني عليها لم تحك تفاصيل ما حدث لها بسرعة، بل انتظرت عدة أيام والسبب -في رأيي- هو أن هناك شعوراً عاماً لدى الفتيات والأهل بأن العدالة لن تأخذ مجراها، وأن الموضوع لن يكون أكثر من فضيحة للبنت. حتى المغتصبين أنفسهم لم يتوقعوا أن تتحدث المغتصبة، ولهذا لم يختفوا بعد الحادث ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي. ولو كان هناك وعي بأن من تعرضت لهذه الجريمة ستخبر عن المجرم لتورّع ألف مرة عن الإقدام على فعلته. وما يؤكد مفهوم الفضيحة؛ استغلال أحد زملاء الأستاذة الجامعية للقضية للتشنيع على الأستاذة باعتبارها هي التي فرّطت في نفسها لعلمه أن هذا سيلقى قبولاً عند متلقي هذا الكلام في المجتمع بكل سهولة.
والأمثلة كثيرة، فالكتاب يعرض لحادثة اغتصاب لفتاة تحدثت فيها الأم بصوتها وأذيعت بالبرنامج واعترفت أن الفتاة جاءت منهارة ثم زعمت أنها تعلقت بأتوبيس (حافلة) ووقعت، ولم تخبر أهلها في البداية وكأنها ستتهم بأنها هي التي فرطت في حق نفسها، وبعد أن علمت الأم لم تهتم سوى بالتخلص من الحمل وأيقنت أن ابتنها لن تتزوج وستقضي بقية حياتها هكذا..
وكم من الجرائم ترتكب دون أن يفصح عنها ولا يقتص من مرتكبيها، ولهذا نحن في حاجة إلى إعادة مفاهيم العدل، من هو الضحية ومن المتهم في مثل هذه الجرائم، هل تظل الفتاة متهمة ومدانة أم أن مغتصبها هو الذي يستحق العقاب؟ ولذلك فنشر هذه الجرائم وإذاعتها يمنح المجتمع الفرصة لكي يفكر كل شخص في المشكلة من الخارج بشكل أكثر وعياً حتى يؤمن بأهمية أن نغيّر هذه المفاهيم التي تحكمنا.
وهل هذه الجرائم خاصة بمجتمعنا فقط؟
بثينة كامل: الاعتداءات والتحرشات الجنسية موجودة في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة، حتى في أكثر المجتمعات انفتاحًا، حيث لا يوجد كبت جنسي يمكن أن نقول: إنه هو السبب المباشر، لكن الشر يظل موجودًا في كل مجتمع، ولهذا توضع قوانين لهذه الحوادث لتوقيع العقوبة على المجرم والمعتدي لأنها واقع لا يمكن إغفاله. وليست الفتيات فقط هن المقصودات بهذه الاعتداءات في بعض المجتمعات العربية، هناك اعتداءات تحدث على الأطفال الذكور، وهو نوع من الشذوذ الجنسي، وعمومًا فالاعتداءات الجنسية مرتبطة بالعنف وانتشاره في المجتمعات، وحل هذه المشكلات يجب أن يكون بالمصارحة والمواجهة والشجاعة.
وما دور الدين في القضاء على هذه المشكلات؟
بثينة كامل: الواقع أن هناك عوامل مترابطة لا يمكن الاستغناء بأحدها عن الآخر، فحتى في المجتمعات التي تمنع الاختلاط تظهر فيها الاعتداءات الشاذة ليس على الفتيات، ولكن على الفتيان وهذا موجود ببعض البلاد العربية مع تمسُّكها بالقواعد الدينية، والمجتمعات الغربية التي تبيح الجنس توجد بها أيضا جرائم الاغتصاب. وقد تعرّض برنامجي أيضا لبعض النقد من لجنة متابعة البرامج الدينية باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري، وتعرّض البرنامج للإلغاء، لكني علمت بعد ذلك أن بعضهم لم يسمع البرنامج وإنما سمع عنه، مع العلم أن ما يذاع في البرنامج ليس أكثر مما ينشر في صفحات الحوادث بالجرائد والمجلات، وإذا كنا نقول إن الوقاية خير من العلاج، فعلينا أن نؤكد أيضا أن الحذر -في بعض الأحيان- لا يمنع القدر، وأن المصارحة والمواجهة في هذه الأمور أجدى من التكتم ودفن الرؤوس في الرمال
عطاء الحنان لطفلك لا يعني تدليلة
حواء وآدم
--------------------------------------------------------------------------------
في تصريحات لشيخ الأزهر مؤخرًا أدان التحرش الجنسي والزنا بالمحارم كظواهر شاذة غريبة على المجتمع المصري، وأرجعها للتوسع المدني وضعف الوازع الديني والتساهل في آداب الاختلاط.
وفي "اعترافات ليلية" -أحد البرامج الناجحة جماهيرياً بالإذاعة المصرية، والذي تقدمه المذيعة "بثينة كامل" قارئة نشرة الأخبار المعروفة بالقناة الأولى بالتلفاز المصري- استطاع البرنامج أن يحصد الكثير من الجوائز، وأن يجذب أسماع الكثيرين ليستمعوا إلى اعترافات الناس ويتعلموا منها.. ويتعرفوا على أدق الأسرار التي تحجبها الأبواب وتكتمها الصدور، ولولا أنها تخرج من أفواه أصحابها لاعتبرناها ضرباً من الخيال الذي لا يصدقه عقل ولا يستوعبه ضمير.
وتمثل مشكلات التحرشات الجنسية التي تصل إلى الاعتداءات الجنسية أحياناً شريحة كبيرة ضمن هذه الاعترافات التي تتحول فيها الفتيات من ضحايا إلى مجرمات في نظر المجتمع. ولأن بعض هذه الاعترافات قاسية فإنه لم يذع معظمها من خلال البرنامج، خاصة وأن بعضها كان يأتي للبرنامج في صورة رسائل مكتوبة، ولهذا جمعت المذيعة حوالي 120 اعترافاً ونشرتها في كتاب يحمل نفس اسم البرنامج "اعترافات ليلية" وذيلت بعض الاعترافات برأي الطب النفسي.
وسألنا كاتبة الاعترافات ومذيعة البرنامج بثينة كامل:
ما الأسباب الحقيقية وراء وقوع هذا النوع من الجرائم؟ ولماذا تظل في صورة اعترافات فقط؟
بثينة كامل: هذا النوع من الاعترافات يمثل شريحة كبيرة من الاعترافات التي يستقبلها البرنامج، وبالنسبة للكتاب فقد أخذت بعض الاعترافات لأنبّه الأمهات والآباء إلى أن ما نعتبره أموراً عادية في حياتنا قد يسبب كوارث فيما بعد؛ فقد تترك الأم ابنتها الطفلة مع الجارة حتى تعود من عملها ولا تجد مشكلة في وجود ابن تلك الجارة الشاب مع ابنتها الطفلة أو تترك بنتها مع خالتها وابن خالتها، وقد تحدث المشكلة أو التحرش من البقال أو عمال الصيانة المنزلية أو غيرهم ممن تتعامل معهم الطفلة في هذه المرحلة، ولا تدرك الفتاة حقيقة ما حدث لها إلا بعد أن تصل لسن الزواج؛ وهنا تنتابها حالة من الارتباك والحيرة ولا تعرف بالضبط إذا كانت ما زالت محتفظة بعذريتها أم لا، خاصة وأن مجتمعنا يعتبر العذرية هي مستقبل البنت، وبدون وجود هذه العذرية لا زواج للبنت ولا مستقبل لها. ولهذا نحن ننبه الأمهات لمناطق الخطر هذه؛ لأن الوقاية خير من العلاج. ومن ناحية أخرى: على الأهل أن يتعاملوا مع المشكلة بوعي وأن تكون هناك صداقة ومصارحة بين الأم وابنتها.
وهل لاختلاف المستوى الثقافي للأهل دور في رد فعلهم تجاه هذه المشكلة؟
بثينة كامل: المفاهيم المسيطرة على مجتمعنا تحوّل الفتاة من ضحية تم الاعتداء عليها إلى مجرمة ومفرطة في عرضها إن هي نطقت بما حدث لها، ولا تحصل سوى على الفضيحة وضياع السمعة والمستقبل، حتى الأستاذة الجامعية التي هزت حادثة الاعتداء عليها الرأي العام في مصر منذ شهور قليلة، عند النظر إلى تفاصيل القضية تكتشف أن المجني عليها لم تحك تفاصيل ما حدث لها بسرعة، بل انتظرت عدة أيام والسبب -في رأيي- هو أن هناك شعوراً عاماً لدى الفتيات والأهل بأن العدالة لن تأخذ مجراها، وأن الموضوع لن يكون أكثر من فضيحة للبنت. حتى المغتصبين أنفسهم لم يتوقعوا أن تتحدث المغتصبة، ولهذا لم يختفوا بعد الحادث ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي. ولو كان هناك وعي بأن من تعرضت لهذه الجريمة ستخبر عن المجرم لتورّع ألف مرة عن الإقدام على فعلته. وما يؤكد مفهوم الفضيحة؛ استغلال أحد زملاء الأستاذة الجامعية للقضية للتشنيع على الأستاذة باعتبارها هي التي فرّطت في نفسها لعلمه أن هذا سيلقى قبولاً عند متلقي هذا الكلام في المجتمع بكل سهولة.
والأمثلة كثيرة، فالكتاب يعرض لحادثة اغتصاب لفتاة تحدثت فيها الأم بصوتها وأذيعت بالبرنامج واعترفت أن الفتاة جاءت منهارة ثم زعمت أنها تعلقت بأتوبيس (حافلة) ووقعت، ولم تخبر أهلها في البداية وكأنها ستتهم بأنها هي التي فرطت في حق نفسها، وبعد أن علمت الأم لم تهتم سوى بالتخلص من الحمل وأيقنت أن ابتنها لن تتزوج وستقضي بقية حياتها هكذا..
وكم من الجرائم ترتكب دون أن يفصح عنها ولا يقتص من مرتكبيها، ولهذا نحن في حاجة إلى إعادة مفاهيم العدل، من هو الضحية ومن المتهم في مثل هذه الجرائم، هل تظل الفتاة متهمة ومدانة أم أن مغتصبها هو الذي يستحق العقاب؟ ولذلك فنشر هذه الجرائم وإذاعتها يمنح المجتمع الفرصة لكي يفكر كل شخص في المشكلة من الخارج بشكل أكثر وعياً حتى يؤمن بأهمية أن نغيّر هذه المفاهيم التي تحكمنا.
وهل هذه الجرائم خاصة بمجتمعنا فقط؟
بثينة كامل: الاعتداءات والتحرشات الجنسية موجودة في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة، حتى في أكثر المجتمعات انفتاحًا، حيث لا يوجد كبت جنسي يمكن أن نقول: إنه هو السبب المباشر، لكن الشر يظل موجودًا في كل مجتمع، ولهذا توضع قوانين لهذه الحوادث لتوقيع العقوبة على المجرم والمعتدي لأنها واقع لا يمكن إغفاله. وليست الفتيات فقط هن المقصودات بهذه الاعتداءات في بعض المجتمعات العربية، هناك اعتداءات تحدث على الأطفال الذكور، وهو نوع من الشذوذ الجنسي، وعمومًا فالاعتداءات الجنسية مرتبطة بالعنف وانتشاره في المجتمعات، وحل هذه المشكلات يجب أن يكون بالمصارحة والمواجهة والشجاعة.
وما دور الدين في القضاء على هذه المشكلات؟
بثينة كامل: الواقع أن هناك عوامل مترابطة لا يمكن الاستغناء بأحدها عن الآخر، فحتى في المجتمعات التي تمنع الاختلاط تظهر فيها الاعتداءات الشاذة ليس على الفتيات، ولكن على الفتيان وهذا موجود ببعض البلاد العربية مع تمسُّكها بالقواعد الدينية، والمجتمعات الغربية التي تبيح الجنس توجد بها أيضا جرائم الاغتصاب. وقد تعرّض برنامجي أيضا لبعض النقد من لجنة متابعة البرامج الدينية باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري، وتعرّض البرنامج للإلغاء، لكني علمت بعد ذلك أن بعضهم لم يسمع البرنامج وإنما سمع عنه، مع العلم أن ما يذاع في البرنامج ليس أكثر مما ينشر في صفحات الحوادث بالجرائد والمجلات، وإذا كنا نقول إن الوقاية خير من العلاج، فعلينا أن نؤكد أيضا أن الحذر -في بعض الأحيان- لا يمنع القدر، وأن المصارحة والمواجهة في هذه الأمور أجدى من التكتم ودفن الرؤوس في الرمال
عطاء الحنان لطفلك لا يعني تدليلة
حواء وآدم
تعليق