تويت
الصراع في لبنان تاريخياً: تغير في الأطراف المتواجهة و ثبات في الجوهر والمسار
الصراع في لبنان تاريخياً: تغير في الأطراف المتواجهة و ثبات في الجوهر والمسار
17/05/2008
يشعر البعض في الشارع العربي بتشويش في الرؤيا يصل إلى حدود الحيرة في محاولته لاستبيان طبيعة و أبعاد الصراع المنفجر في لبنان منذ صدور القرار 1559 و( ما افتعل بعدها من أحداث لوضعه موضع التنفيذ) ، و الأكيد أن منشأ هذا الغموض يعود في القسم الأكبر منه إلى ما يحاول أن يصوره الضخ الإعلامي الغربي إلى منطقتنا من فصلٍ للصراع اللبناني عن سياقه التاريخي ومن محاولةٍ لتضخيم ما هو طارئ عليه حتى يشتبه الأمر على المتابع فيخاله أصيلاً وجوهرياً : من ذلك ما نشاهده من محاولةٍ لإلصاقٍ الطابع المذهبي (السني –الشيعي) بالصراع اللبناني و اختصاره به ، أو تصويره حيناً آخر صراعاً قطرياً (لبنانياً- سورياً ) أو قومياً بنسخته المستحدثة العنصرية و التي لا تذهب إلا باتجاه واحد هو المرغوب من قبل أمريكا حالياً الاتجاه (العربي – الفارسي) ، بالمقابل سرعان ما يظهر جلياً أمام المستعرض للتاريخ الطويل من الصراع (الذي لم يتوقف في لبنان و عليه) و دون بذل كثيرٍ من الجهد جوهر الصراع الحقيقي و منشؤه الذي يمكن أن نرده و دون تجنٍ إلى استمرار نمط ثابت من الجهد الغربي المستشرس الهادف إلى الاحتفاظ بالهيمنة على حكومات الاستقلال الناشئة في المنطقة خلال النصف الثاني من القرن الماضي و إخضاع من يتمرد منها على الإرادة الغربية و ذلك عبوراً من البوابة اللبنانية و بالتواطؤ طبعاً مع بعض الزعامات و العائلات المحلية اللبنانية التي اعتبر بعضها أن قوته ونفوذه لا يمكن ضمان استمراره إلا من خلال تشريع البلاد أمام الرياح الغربية العاصفة ، و هكذا فقد دفع لبنان هذا الكيان الصغير و بسبب تركيبته شديدة التنوع وبسبب نظامه الطائفي و بسبب التاريخ القديم الذي يربط الغرب ببعض مكوناته ثمن وقوعه على ما يمكن تسميته بفالق الصراع بين قوى المقاومة و الممانعة في الشرق الأوسط و بين قوى الهيمنة الغربية ، حيث شهد التاريخ اللبناني نتيجة لذلك ثلاث زلازل رئيسية:
1- مواجهة 1958 و نزول المارينز إلى بيروت واندلاع الثورة .
2- و الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي بدأ في 14 آذار 1978 واستكمل في 1982 بالوصول إلى بيروت و ما تلاه من عودة المارينز إلى بيروت 1983 و انسحابهم السريع .
3- و الزلال الأخير الذي نشهد أحداثه و توابعه اليوم منذ اغتيال الحريري 2005 .
خلال هذه المحطات الثلاث الرئيسة في التاريخ اللبناني نلاحظ تغيراً في أسماء القوى اللبنانية والإقليمية و الدولية التي تقف على طرفي المواجهة و ثباتاً في جوهر و أساس الصراع فمن مواجهة 1958 بين كميل شمعون المتحالف مع الإمبراطورية البريطانية العجوز و حلفائها الشرق أوسطيين في حلف بغداد و المستعين بمارينز الإمبراطورية الأميركية الوارثة للمنطقة في مواجهة عبد الناصر زعيم المد القومي و رئيس سوريا و مصر أيام الوحدة وصولاً إلى بشير الجميل المستعين بشارون وجيش إسرائيل ضد سوريا و المقاومة الفلسطينية عام 1982 و أخيه أمين الجميل الذي استنسخ تجربة شمعون باستدعاء المارينز الأميركي و المدمرة نيوجرسي في مواجهة سوريا و حلفائها اللبنانيين عام 1983 و انتهاءً بالآذاريين المستنجدين خفيةً بأولمرت في تموز 2006 و بكول علناً و على لسان قادتهم عام 2008 ، تغيرت الدول و القوى والزعامات الطائفية اللبنانية التي تقف على جانبي الصراع وقفز بعضها من جانب إلى جانب غير أن الجوهر الذي لا يمكن دونه فهم الصراع بقي ثابتاً ، و كأي صراع كبير طفت على هوامش المواجهة الكبرى صراعات طارئة بين القوى اللبنانية المحلية بارتباطاتها الدولية و الإقليمية ، و اتفق أن يكون في مصلحة الطرف الغربي (الأقوى إعلامياً) استثمار و تضخيم بعضها تمويهاً على الصراع الأساسي و استخداماً للقبائل والطوائف اللبنانية المتصارعة كوقود رخيص نحو تحقيق أهدافه ، فتم اختزال مواجهة 1958 مسيحيةً إسلاميةً في لبنان و تصويرها مشوهةً بين الشيوعية و المتصدين لها على المستوى الإقليمي ، و رغم أن إيران بزعامة الشاه الطامح علناً لاستعادة مجد فارس القديم كانت أحد أطراف الصراع الأساسية عبر تمويل تسليح حليفها شمعون والذي شاركته الاقتراب من حلف بغداد و التصدي للمد الناصري (المهدد لمصالح الغرب في المنطقة) إلا أن أحداً لم يتحدث حينها عن طموح لاستعادة إمبراطورية كسرى كما لم تكن مواقف الشاه (الشيعي مذهباً) جذابةً للقوى الفاعلة والمؤثرة في أوساط شيعة لبنان الذين ناصروا ثورة 1958 و عبد الناصر في غالبيتهم الساحقة ، وبالمقابل يجري في مواجهة اليوم تجاهل إعلامي تام لموقف الجنرال عون الممثل لـ70% من مسيحيي لبنان (حسب الانتخابات الأخيرة) و الذي قرأ و استفاد على على ما يبدو من تجربة أسلافه من الزعماء المسيحيين الذين جروا برهانهم المطلق على الحصان الغربي طائفتهم و بلادهم إلى مآزق كبرى وصلت في بعض لمراحل إلى درجة تهديد الوجود المسيحي في لبنان ، و بالطريقة نفسها يجري اليوم التعامي (على المستوى الإقليمي )عن مواقف القوى السنية المتضامنة مع حزب الله وآخرها و أوضحها ما صرح به محمد مهدي عاكف زعيم أكبر تنظيم ديني سني في العالم العربي.
إن العودة إلى تتبع السياق التاريخي للصراع اللبناني لا تفيدنا فحسب في نزع ما علق على سطحه وما كاد يطغى و يغطي على كهنه بل إن هذه العودة تفيد أيضاً في استقراء آفاق الصراع و تتبع مساره حتى يمكن لنا أن نقدر وإلى حد بعيد منتهاه و مآلاته ، فكميل شمعون المستعين بالمارينز سقط دون بلوغ طموحه في التجديد لولاية رئاسية ثانية بل إن خصمه اللبناني اللدود الجنرال فؤاد شهاب حليف خصمه الإقليمي الأول عبد الناصر حل محله في سدة الرئاسة و كان اتفاق الخيمة الشهير على الحدود اللبنانية السورية بين ناصرو شهاب و الذي قضى بتنسّيق السياسة الخارجية اللبنانية مع دولة الوحدة دعماً لسياستها العربية والدولية، و بعدم دخول لبنان في أي محور عربي أو دولي مناوىء أو يعرّض المصالح السورية - المصرية للخطر. في مقابل تأييد عبد الناصر لسياسة شهاب الداخلية في حكم لبنان.
أما بشير الجميل المنتخب رئيساً للبنان على ظهر الدبابة الإسرائيلية 1982 فقد قضى تحت أنقاض مبنى الكتائب في تفجير نفذه أحد مقاتلي الحزب القومي السوري ، كما انتهى أخوه أمين الذي انتخب بدلاً عنه في بعبدا رئيساً عاجزاً عن السيطرة حتى على عاصمته عقب انتفاضة 6 شباط 1984 التي قام بها حلفاء خصمه الإقليمي سوريا في بيروت الغربية بعد فرار المارينز و القوات الفرنسية العاملة في إطار تحالف الأطلسي بعد تفجير 1983 الشهير ، و اضطر أمين بالنهاية لإلغاء أكثر من مئة مرسوم من المراسيم التي أصدرها في بداية عهده و إلى إلغاء اتفاق 17 أيار الشهير الذي عقده مع إسرائيل ، بل إن أمين الجميل (الذي استعان على سوريا بآلاف الأطنان من القنابل التي ألقتها المدمرة الشهيرة نيوجرسي على مواقع الجيش السوري في البقاع و على مواقع حلفاء سوريا اللبنانيين في الجبل طوال العام 1983) ، أنهى عهده بـ 13 زيارة قام بها لتنسيق المواقف مع دمشق (و هو ما كان يعتبر حينها تحطيماً للرقم القياسي لأكبر عدد زيارات قام بها رئيس لبناني لسوريا )، وبالنهاية حسمت الحرب الأهلية في لبنان باتفاق الطائف الذي نص على أن لبنان عربي الانتماء والهوية، و تربطه بسوريا علاقات مميزة بحيث لا يكون مقراً أو ممراً لأي دولة أو تنظيم يستهدف المس بأمن سوريا ، وبهذا وحده تم ضمان السلم الأهلي و إعادة الإعمار في لبنان بل و توفير الظروف الملائمة و السند الخلفي للمقاومة اللبنانية لتقوم باستكمال طرد الإسرائيليين من لبنان في أيار 2000 .
وعند مقارنة الوضع الحالي بالمواجهة الأخيرة نلاحظ أن المقاومة و بفصيلها الرئيسي حزب الله تبدو في ظروف أفضل من ظروف المواجهة في الثمانينيات سواء من حيث التنظيم أو التسليح أو السند الشعبي أو التحالفات الداخلية العابرة للطوائف ، كما أن داعميها الإقليميين سوريا اليوم و إيران اليوم يبدوان في وضع مريح و أفضل بكثير مقارنة بإيران الثمانينيات الغارقة في حرب الـ 8 سنوات الضروس مع العراق و سوريا الثمانينيات المضطربة داخلياً و التي كانت تعصف فيها التفجيرات و المواجهات الداخلية لذلك لا يوجد ما يدفع إلى الظن بأن مآلات الأمور ستنحرف بالنهاية عن الوجهة التي انتهت إليها سابقاً : أي تسوية لبنانية داخلية بين الطوائف اللبنانية على مبدأ لا غالب ولا مغلوب و فشل غربي مزمن في إخضاع لبنان و تحويله إلى قاعدة أمريكية خلفية للانقضاض على ما تبقى من مواقع مستعصية في الشرق على الإرادة الأميركية ، فهل يتعلم قادة الآذاريين من تاريخ بلادهم حقناً للدماء و توفيراً للشحن والعداوة والبغضاء بين أبناء البلد الواحد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
17/05/2008
يشعر البعض في الشارع العربي بتشويش في الرؤيا يصل إلى حدود الحيرة في محاولته لاستبيان طبيعة و أبعاد الصراع المنفجر في لبنان منذ صدور القرار 1559 و( ما افتعل بعدها من أحداث لوضعه موضع التنفيذ) ، و الأكيد أن منشأ هذا الغموض يعود في القسم الأكبر منه إلى ما يحاول أن يصوره الضخ الإعلامي الغربي إلى منطقتنا من فصلٍ للصراع اللبناني عن سياقه التاريخي ومن محاولةٍ لتضخيم ما هو طارئ عليه حتى يشتبه الأمر على المتابع فيخاله أصيلاً وجوهرياً : من ذلك ما نشاهده من محاولةٍ لإلصاقٍ الطابع المذهبي (السني –الشيعي) بالصراع اللبناني و اختصاره به ، أو تصويره حيناً آخر صراعاً قطرياً (لبنانياً- سورياً ) أو قومياً بنسخته المستحدثة العنصرية و التي لا تذهب إلا باتجاه واحد هو المرغوب من قبل أمريكا حالياً الاتجاه (العربي – الفارسي) ، بالمقابل سرعان ما يظهر جلياً أمام المستعرض للتاريخ الطويل من الصراع (الذي لم يتوقف في لبنان و عليه) و دون بذل كثيرٍ من الجهد جوهر الصراع الحقيقي و منشؤه الذي يمكن أن نرده و دون تجنٍ إلى استمرار نمط ثابت من الجهد الغربي المستشرس الهادف إلى الاحتفاظ بالهيمنة على حكومات الاستقلال الناشئة في المنطقة خلال النصف الثاني من القرن الماضي و إخضاع من يتمرد منها على الإرادة الغربية و ذلك عبوراً من البوابة اللبنانية و بالتواطؤ طبعاً مع بعض الزعامات و العائلات المحلية اللبنانية التي اعتبر بعضها أن قوته ونفوذه لا يمكن ضمان استمراره إلا من خلال تشريع البلاد أمام الرياح الغربية العاصفة ، و هكذا فقد دفع لبنان هذا الكيان الصغير و بسبب تركيبته شديدة التنوع وبسبب نظامه الطائفي و بسبب التاريخ القديم الذي يربط الغرب ببعض مكوناته ثمن وقوعه على ما يمكن تسميته بفالق الصراع بين قوى المقاومة و الممانعة في الشرق الأوسط و بين قوى الهيمنة الغربية ، حيث شهد التاريخ اللبناني نتيجة لذلك ثلاث زلازل رئيسية:
1- مواجهة 1958 و نزول المارينز إلى بيروت واندلاع الثورة .
2- و الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي بدأ في 14 آذار 1978 واستكمل في 1982 بالوصول إلى بيروت و ما تلاه من عودة المارينز إلى بيروت 1983 و انسحابهم السريع .
3- و الزلال الأخير الذي نشهد أحداثه و توابعه اليوم منذ اغتيال الحريري 2005 .
خلال هذه المحطات الثلاث الرئيسة في التاريخ اللبناني نلاحظ تغيراً في أسماء القوى اللبنانية والإقليمية و الدولية التي تقف على طرفي المواجهة و ثباتاً في جوهر و أساس الصراع فمن مواجهة 1958 بين كميل شمعون المتحالف مع الإمبراطورية البريطانية العجوز و حلفائها الشرق أوسطيين في حلف بغداد و المستعين بمارينز الإمبراطورية الأميركية الوارثة للمنطقة في مواجهة عبد الناصر زعيم المد القومي و رئيس سوريا و مصر أيام الوحدة وصولاً إلى بشير الجميل المستعين بشارون وجيش إسرائيل ضد سوريا و المقاومة الفلسطينية عام 1982 و أخيه أمين الجميل الذي استنسخ تجربة شمعون باستدعاء المارينز الأميركي و المدمرة نيوجرسي في مواجهة سوريا و حلفائها اللبنانيين عام 1983 و انتهاءً بالآذاريين المستنجدين خفيةً بأولمرت في تموز 2006 و بكول علناً و على لسان قادتهم عام 2008 ، تغيرت الدول و القوى والزعامات الطائفية اللبنانية التي تقف على جانبي الصراع وقفز بعضها من جانب إلى جانب غير أن الجوهر الذي لا يمكن دونه فهم الصراع بقي ثابتاً ، و كأي صراع كبير طفت على هوامش المواجهة الكبرى صراعات طارئة بين القوى اللبنانية المحلية بارتباطاتها الدولية و الإقليمية ، و اتفق أن يكون في مصلحة الطرف الغربي (الأقوى إعلامياً) استثمار و تضخيم بعضها تمويهاً على الصراع الأساسي و استخداماً للقبائل والطوائف اللبنانية المتصارعة كوقود رخيص نحو تحقيق أهدافه ، فتم اختزال مواجهة 1958 مسيحيةً إسلاميةً في لبنان و تصويرها مشوهةً بين الشيوعية و المتصدين لها على المستوى الإقليمي ، و رغم أن إيران بزعامة الشاه الطامح علناً لاستعادة مجد فارس القديم كانت أحد أطراف الصراع الأساسية عبر تمويل تسليح حليفها شمعون والذي شاركته الاقتراب من حلف بغداد و التصدي للمد الناصري (المهدد لمصالح الغرب في المنطقة) إلا أن أحداً لم يتحدث حينها عن طموح لاستعادة إمبراطورية كسرى كما لم تكن مواقف الشاه (الشيعي مذهباً) جذابةً للقوى الفاعلة والمؤثرة في أوساط شيعة لبنان الذين ناصروا ثورة 1958 و عبد الناصر في غالبيتهم الساحقة ، وبالمقابل يجري في مواجهة اليوم تجاهل إعلامي تام لموقف الجنرال عون الممثل لـ70% من مسيحيي لبنان (حسب الانتخابات الأخيرة) و الذي قرأ و استفاد على على ما يبدو من تجربة أسلافه من الزعماء المسيحيين الذين جروا برهانهم المطلق على الحصان الغربي طائفتهم و بلادهم إلى مآزق كبرى وصلت في بعض لمراحل إلى درجة تهديد الوجود المسيحي في لبنان ، و بالطريقة نفسها يجري اليوم التعامي (على المستوى الإقليمي )عن مواقف القوى السنية المتضامنة مع حزب الله وآخرها و أوضحها ما صرح به محمد مهدي عاكف زعيم أكبر تنظيم ديني سني في العالم العربي.
إن العودة إلى تتبع السياق التاريخي للصراع اللبناني لا تفيدنا فحسب في نزع ما علق على سطحه وما كاد يطغى و يغطي على كهنه بل إن هذه العودة تفيد أيضاً في استقراء آفاق الصراع و تتبع مساره حتى يمكن لنا أن نقدر وإلى حد بعيد منتهاه و مآلاته ، فكميل شمعون المستعين بالمارينز سقط دون بلوغ طموحه في التجديد لولاية رئاسية ثانية بل إن خصمه اللبناني اللدود الجنرال فؤاد شهاب حليف خصمه الإقليمي الأول عبد الناصر حل محله في سدة الرئاسة و كان اتفاق الخيمة الشهير على الحدود اللبنانية السورية بين ناصرو شهاب و الذي قضى بتنسّيق السياسة الخارجية اللبنانية مع دولة الوحدة دعماً لسياستها العربية والدولية، و بعدم دخول لبنان في أي محور عربي أو دولي مناوىء أو يعرّض المصالح السورية - المصرية للخطر. في مقابل تأييد عبد الناصر لسياسة شهاب الداخلية في حكم لبنان.
أما بشير الجميل المنتخب رئيساً للبنان على ظهر الدبابة الإسرائيلية 1982 فقد قضى تحت أنقاض مبنى الكتائب في تفجير نفذه أحد مقاتلي الحزب القومي السوري ، كما انتهى أخوه أمين الذي انتخب بدلاً عنه في بعبدا رئيساً عاجزاً عن السيطرة حتى على عاصمته عقب انتفاضة 6 شباط 1984 التي قام بها حلفاء خصمه الإقليمي سوريا في بيروت الغربية بعد فرار المارينز و القوات الفرنسية العاملة في إطار تحالف الأطلسي بعد تفجير 1983 الشهير ، و اضطر أمين بالنهاية لإلغاء أكثر من مئة مرسوم من المراسيم التي أصدرها في بداية عهده و إلى إلغاء اتفاق 17 أيار الشهير الذي عقده مع إسرائيل ، بل إن أمين الجميل (الذي استعان على سوريا بآلاف الأطنان من القنابل التي ألقتها المدمرة الشهيرة نيوجرسي على مواقع الجيش السوري في البقاع و على مواقع حلفاء سوريا اللبنانيين في الجبل طوال العام 1983) ، أنهى عهده بـ 13 زيارة قام بها لتنسيق المواقف مع دمشق (و هو ما كان يعتبر حينها تحطيماً للرقم القياسي لأكبر عدد زيارات قام بها رئيس لبناني لسوريا )، وبالنهاية حسمت الحرب الأهلية في لبنان باتفاق الطائف الذي نص على أن لبنان عربي الانتماء والهوية، و تربطه بسوريا علاقات مميزة بحيث لا يكون مقراً أو ممراً لأي دولة أو تنظيم يستهدف المس بأمن سوريا ، وبهذا وحده تم ضمان السلم الأهلي و إعادة الإعمار في لبنان بل و توفير الظروف الملائمة و السند الخلفي للمقاومة اللبنانية لتقوم باستكمال طرد الإسرائيليين من لبنان في أيار 2000 .
وعند مقارنة الوضع الحالي بالمواجهة الأخيرة نلاحظ أن المقاومة و بفصيلها الرئيسي حزب الله تبدو في ظروف أفضل من ظروف المواجهة في الثمانينيات سواء من حيث التنظيم أو التسليح أو السند الشعبي أو التحالفات الداخلية العابرة للطوائف ، كما أن داعميها الإقليميين سوريا اليوم و إيران اليوم يبدوان في وضع مريح و أفضل بكثير مقارنة بإيران الثمانينيات الغارقة في حرب الـ 8 سنوات الضروس مع العراق و سوريا الثمانينيات المضطربة داخلياً و التي كانت تعصف فيها التفجيرات و المواجهات الداخلية لذلك لا يوجد ما يدفع إلى الظن بأن مآلات الأمور ستنحرف بالنهاية عن الوجهة التي انتهت إليها سابقاً : أي تسوية لبنانية داخلية بين الطوائف اللبنانية على مبدأ لا غالب ولا مغلوب و فشل غربي مزمن في إخضاع لبنان و تحويله إلى قاعدة أمريكية خلفية للانقضاض على ما تبقى من مواقع مستعصية في الشرق على الإرادة الأميركية ، فهل يتعلم قادة الآذاريين من تاريخ بلادهم حقناً للدماء و توفيراً للشحن والعداوة والبغضاء بين أبناء البلد الواحد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تعليق