مر علي الصباح ثقيلا، حبست فيه نفسي بين جداري غرفتي الضيقة على أمل أن أتم واجباتي الدراسية، لكن، والحق يقال، أني لم أركز على عملي دقيقة واحدة، أرفع بصري إلى الجدار أمامي، جدار أصاب بالرهبة كل من اطلعن عليه من زميلاتي في السكن... كان بالأحرى معرض صور... تربعت عليه لوحات عديدة تعلوها عبارة نقشت بخط جميل: »أبرز من اغتيل من قادة حماس« ... أنسي في ليالي السهاد الطويلة، وقناديل تضيء دربي المملوء شوكا ... وشوقا...
أخرجني من شرودي صوت جرس المطعم، رفعت بصري إلى النافذة، الجو خانق ثقيل رغم أننا في شهر مارس...
أدركت باب المطعم تلبية لنداء بطني الملح، وإذا بالمراقب قد أشاح وجهه عني دون أن ينبس ببنت شفة، قررت أن أباسطه :
- آسي عبد المجيد، آش كاين، مالك غضبان علينا؟؟
لم يجبني... خانته دمعة تدحرجت على وجنته... وبقي مطرق الرأس... دون أن يرفع بصره إلي.
هنا اهتزت عروش الأمان في قلبي، أمر جلل يبكي الرجال ألم بالمسكين...
- ماذا حصل أخبرني، الله يرحم ليك الوالدين...
أجابني على مضض:
- بعد الغذاء...ادخلي أولا وأخبرك حين تنتهين.
أصررت وأصر هو... فاستحلفته بالله ... لن أدخل إلا حين تخبرني.
تلعثم، يرفع بصره إلي ثم يخفضه، رأيت عينه المحتقنتين، حاول أن يفتح فمه، لكنه يشهق في ألم، لم أميز منه سوى كلمات يسيرات: صاروخ، مسجد، استشهاد، أحمد ياسين...
كالمعتوه كنت أردد :
من هذا الياسين الذي استشهد، أخشى أنك تهرف بما لا تعرف يا سيدي...
لم أكن أعي كلماتي تلك إلا حين انتهيت من نطقها... لست أدري ماذا حصل بالضبط... تسارعت دقات قلبي... وغلف الظلام الدنيا فلم ألحظ شيئا أمامي... لم أعد أسمع إلا صدى دقات قلبي بين خافقي وأصواتا في رأسي ترفض أن تصدق...
أسقطت ما كنت أحمل بيدي، تكسر الكأس وتطاير زجاجه في عنف...
وجريت، لم أفكر إلى أين... ركضت ملء أنفاسي... لم أجد أمامي غير مسجد السنة العتيق يتربع في ناصية شارع محمد الخامس في عمق الرباط... دخلت مسرعة وارتميت على البساط في ركن منزو... وذرفت أول دمعة، تماما كأول قطرة أمطار طوفانية تجتاح عيني... بكيت حتى انتهت الدموع... وصرت أتمنى لو أن عيني تجودان دما مكانها...
وملايين الصور والأصوات تغزو مخيلتي في جنون... تتدافع ويختلط قديمها بالجديد...
أبو راتب يردد على مسامع طفلة في الثالثة: أحمد ياسين إنت المشعل...إنت المشعل... صورة شيخ مقعد... وجهه الأسطوري يبتسم في خجل... كلمات بسيطة.. شعبنا أقوى من دباباتهم، ومن تهديداتهم كمان...
وأنا أضعف من أن أحتمل فراقك يا سيدي...
انهارت آخر قلاع الصبر وارتفع صوتي بالنحيب وأنا في ركني ... لم أكن أتخيل أني قد أستطيع الخروج للحياة من جديد... خذني معك يا من على حبه تغذيت مذ فتحت عيني على الدنيا...
كانت يدي تدلف إلى جيبي مرتعشة لتخرج منه محفظتي، أفتحها على صورته، بالكاد فتحت لألمح بسمته الرائقة... أرغمتني على الابتسام هي الأخرى... إنك يا صغيرتي تنظرين إلى وجه من وجوه أهل الجنة...
قلبت الصورة، قرأت ما كتب على ظهرها وكأني لست من خطه بيدي، بدت تلك الحروف القليلة أجمل و أبهى وأعمق:
» أنت مع من أحببت « صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخرجني من شرودي صوت جرس المطعم، رفعت بصري إلى النافذة، الجو خانق ثقيل رغم أننا في شهر مارس...
أدركت باب المطعم تلبية لنداء بطني الملح، وإذا بالمراقب قد أشاح وجهه عني دون أن ينبس ببنت شفة، قررت أن أباسطه :
- آسي عبد المجيد، آش كاين، مالك غضبان علينا؟؟
لم يجبني... خانته دمعة تدحرجت على وجنته... وبقي مطرق الرأس... دون أن يرفع بصره إلي.
هنا اهتزت عروش الأمان في قلبي، أمر جلل يبكي الرجال ألم بالمسكين...
- ماذا حصل أخبرني، الله يرحم ليك الوالدين...
أجابني على مضض:
- بعد الغذاء...ادخلي أولا وأخبرك حين تنتهين.
أصررت وأصر هو... فاستحلفته بالله ... لن أدخل إلا حين تخبرني.
تلعثم، يرفع بصره إلي ثم يخفضه، رأيت عينه المحتقنتين، حاول أن يفتح فمه، لكنه يشهق في ألم، لم أميز منه سوى كلمات يسيرات: صاروخ، مسجد، استشهاد، أحمد ياسين...
كالمعتوه كنت أردد :
من هذا الياسين الذي استشهد، أخشى أنك تهرف بما لا تعرف يا سيدي...
لم أكن أعي كلماتي تلك إلا حين انتهيت من نطقها... لست أدري ماذا حصل بالضبط... تسارعت دقات قلبي... وغلف الظلام الدنيا فلم ألحظ شيئا أمامي... لم أعد أسمع إلا صدى دقات قلبي بين خافقي وأصواتا في رأسي ترفض أن تصدق...
أسقطت ما كنت أحمل بيدي، تكسر الكأس وتطاير زجاجه في عنف...
وجريت، لم أفكر إلى أين... ركضت ملء أنفاسي... لم أجد أمامي غير مسجد السنة العتيق يتربع في ناصية شارع محمد الخامس في عمق الرباط... دخلت مسرعة وارتميت على البساط في ركن منزو... وذرفت أول دمعة، تماما كأول قطرة أمطار طوفانية تجتاح عيني... بكيت حتى انتهت الدموع... وصرت أتمنى لو أن عيني تجودان دما مكانها...
وملايين الصور والأصوات تغزو مخيلتي في جنون... تتدافع ويختلط قديمها بالجديد...
أبو راتب يردد على مسامع طفلة في الثالثة: أحمد ياسين إنت المشعل...إنت المشعل... صورة شيخ مقعد... وجهه الأسطوري يبتسم في خجل... كلمات بسيطة.. شعبنا أقوى من دباباتهم، ومن تهديداتهم كمان...
وأنا أضعف من أن أحتمل فراقك يا سيدي...
انهارت آخر قلاع الصبر وارتفع صوتي بالنحيب وأنا في ركني ... لم أكن أتخيل أني قد أستطيع الخروج للحياة من جديد... خذني معك يا من على حبه تغذيت مذ فتحت عيني على الدنيا...
كانت يدي تدلف إلى جيبي مرتعشة لتخرج منه محفظتي، أفتحها على صورته، بالكاد فتحت لألمح بسمته الرائقة... أرغمتني على الابتسام هي الأخرى... إنك يا صغيرتي تنظرين إلى وجه من وجوه أهل الجنة...
قلبت الصورة، قرأت ما كتب على ظهرها وكأني لست من خطه بيدي، بدت تلك الحروف القليلة أجمل و أبهى وأعمق:
» أنت مع من أحببت « صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
تعليق