مرحبا.. أنا فتاة أحب رجلا يكبرني بعشر سنوات، ولكنه متزوج وزوجته تعمل في بلد آخر، وهو يعيش وحيداً.. حتى الآن هو لا يعلم بحقيقة مشاعري تجاهه، وأنا لا أعلم بمشاعره تجاهي، يقابلني بكل اهتمام وحنان.
أحلم أن أكون زوجته الثانية، ولكن أخشى أن أصرح له بحقيقة مشاعري وألقى ردة فعل ليست من صالحي.. حبي الشديد له يجعلني أغار غيرة شديدة من زوجته ومن أي شخص يُكنّ له الحب والتقدير. أنا متأكدة من مشاعري جيداً، وتلك ليست مشاعر مراهقة طارئة سرعان ما تزول فأنا فتاة واعية وفاهمة جيداً.
أرجوكم أرشدوني فأنا في حيرة من أمري وكذلك أنا متمسكة بهذا الرجل فنحن متفقان في كل شيء، وأفكارنا متقاربة كثيراً، كما أنه دائما يردد على مسامعي بأنه محتاج للحب والحنان والعطف الذي يفتقده، وطلب مني أن أعوض له ذلك.. وإذا قلت له: هل تجد ذلك لدى زوجتك ؟ قال: بأنه وحيد، وليس هناك من يعوض له ما يحتاج. أنا أرى أن لديه فراغا عاطفيا، ولكن بماذا تنصحوني ؟ تحياتي لكم.
قصة حقيقة ~ًٍَُِ]ِ~ْ~َِِ قصة مشوقة بين زوجها زوجته
يا حبيبتي.. يا من تتكلمين عن الفراغ العاطفي في حياة غيرك.. وتستطيعين التفريق بين مشاعر المراهقة الطارئة ومشاعر النضوج المستقرة..
يا صديقتي "الواعية".. هل تعلمين أن عمرك عمر المراهقة، وأنك تعيشين في فراغ عاطفي وتحتاجين إلى حنان أبوي ؟ لذلك وقعت في حب هذا الرجل الذي تقولين إنك لا تعلمين حقيقة مشاعره، لكنه يقابلك بكل اهتمام وحنان، فهل تعرفين أيتها "الفاهمة جيدا" أن الاهتمام والحنان هما مشاعر ؟ ألا تفهمين عندما يقول لك إنه يفتقد إلى الحب والحنان والعطف ويطلب أن تعوضي له ذلك الفقد.. أنه بحاجة إلى مشاعر ويريد أن تغمريه بحبك وحنانك وعطفك؟ فكيف تقولين بعد كل هذا إنك لا تعلمين حقيقة مشاعره ؟!
ثم تقولين إنكما متفقان في كل شيء وأفكاركما متقاربة فأين يا عزيزتي تقابلتما حتى اطلعت على أفكاره؟ هل قابلته على الشرفة أم في أسفل الدرج "بير السلم" كما في القصص والأفلام؟! وكيف تعرفت عليه؟ هل من خلال معاكسة هاتفية أو رمى لك بطاقة فيها رقم هاتفه كما يبدأ التعارف بين الشاب والفتاة عندكم عادة؟!
يا حبيبتي.. أنت تعيشين في مجتمع مغلق بكل معنى الكلمة، فأي حركة من المرأة يفسرها الرجل أنها إغواء له، وأي كلمة من الرجل تحسبها المرأة أنها إعجاب بها. وخيال امرأة يثير في الرجل أنات وآهات، وشبح رجل يشعل في المرأة رغبة أو رهبة، والحياة عندكم أبيض أو أسود ولا ثالث بينهما، وأنت تفهمين ما أقصد بالبياض والسواد، والخادمة هي من تعلِّم الأولاد القيم والأخلاق، والسائق هو من يتبنى الصبي أو البنت، ولذلك يصل الرجل والمرأة إلى سن النضج ولا يعرفان من الحياة إلا كمعلومات الطفل الصغير عنها، ثم تأتي أنت وفي عمرك هذا لتقولي إنك واعية وفاهمة!!
فأي وعي هذا الذي يجعلك تربطين مشاعرك برجل متزوج؟ وأي فهم هذا الذي يجعلك تفكرين أن تبني سعادتك على خراب بيوت الآخرين؟ وهل تظنين أنك ستجدين السعادة في بيت أوهى من بيت العنكبوت؟
هل الخلل في تفكيرك أنت؟ أم في جموح عواطفك؟ أم في عدم رعاية أهلك لك؟ أم في صديقاتك اللواتي يتباهين بعلاقاتهن أمامك، إذ لا تبلغ الواحدة منهن سن المراهقة إلا ويكون لها صديق مع اختلاف العلاقة من غزل على الهاتف إلى كلام وسلام أو موعد ولقاء؟
مَن المسؤول عن انشغال الفتيات والشبان بهذه السخافات باسم الحب والحب منها بريء؟ أليست حلقة واحدة من مسلسل مدبلج كافية لتهديم كل خلق وتحطيم كل فضيلة؟ كيف يستطيع المصلحون إكمال البناء ومعاول الهدم تضرب به من كل جانب؟ والله إن مجتمعاتنا بحاجة إلى جيوش من المصلحين ليعملوا على تغيير العقول وإصلاح النفوس، قبل أن نطلب جيوشا لتحرير فلسطين!
متى يبلغ البنيان يوما تمامه **** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
كيف يتعلم هذا الجيل أن الدين ليس زيا موحدا أبيض أو أسود، وليس مظهرا جامدا بل هو الحياة؟ متى يفهم أنه لا دنيا لمن لم يحي دينا؟ كيف يعرف أنه لا حياة بدون فهم عميق وتأصيل أكيد لمعاني الخوف والخشية من الله لا الخوف من المجتمع وكلام الناس؟ متى يدرك الآباء والأمهات عمق المسؤولية وثقل الأمانة؟
وهنا يحق لي أن أسأل: أين والداك المسؤولان عنك؟ وماذا يعلمان عن علاقتك بهذا الرجل؟
م من أين لي أن أعرف إذا كان ما تقولينه عن هذا الرجل حقيقيا أم من بنات أفكارك ووحي خيالك؟ فأحلام اليقظة مسيطرة على عمرك الحالم، وعقلك ملغى أمام تحكّم قلبك وعواطفك بسبب سنك الجامحة! وإن كنت أحمد الله على بقية من عقل لديك ما زالت تمنعك من الانسياق وراء نزوة العاطفة التي قد تقودك إلى الانجراف في بحر الخطيئة.
وعلى فرض أنه يردد على مسامعك أنغامه "الشجية" المحتاجة للحب والعطف والحنان، فهل تعرفين أين سيوصلك طربك بهذه الموسيقى المحرمة؟ هل تدركين في أي واد سحيق سوف تقعين إذا تماديت في هذه اللعبة الماجنة؟
بما أنك تطلبين النصيحة، فاعلمي أنك إذا داومت على حديثك مع هذا الرجل فإن الأمر سيتعدى مجرد الكلام إلى مرحلة لا تحمد عقباها، وإذا صارحته بحقيقة مشاعرك، فإن ردة فعله ستكون التصرفات التالية:
سيعبّر لك عن المزيد من مشاعر الاحتياج، وسيسمعك الكثير من كلمات الهيام، وسيضيف إليها كثيرا من معاني الرجولة التي سيدّعي أنه يتمتع بها، وسيستدرجك بالكلام المعسول والعواطف الزائفة إلى أقرب مكان يستطيع فيه التعبير لك عن أشواقه وحبه وعشقه، ولكن أتراك تعرفين كيف يعبر الرجل عن مشاعره، خاصة إذا وجد صيدا سهلا مثلك؟!
الطريقة الوحيدة التي سيعبّر لك بها هي أن يتعامل معك جنسيا، وقد تقاومين وتبكين، ولكن أين المفر بعد أن وقعت الفريسة في شباك وهم اسمه الحب؟
كم مرة في ردودي نصحت الفتيات أن يضعن قلوبهن من وراء عقولهن لأن الأنثى إذا أحبت فقدت رشدها، وإذا هويت هوت، وإذا علقت بالشَّرَك المنصوب فقدت كل شيء من عذريتها إلى حيائها وشرفها وعفافها!
كم مرة قلت: إن الدين لا ينكر الحب، لكنه يحرم كل تصرف خاطئ يقود إليه هذا الحب من الفكرة والنظرة إلى الكلمة والهمسة، إلى اللقاء واللمسة!
كم مرة بينت أننا هنا في هذه الصفحة لسنا مستعدين لحل أي مشكلة عاطفية أو غيرها إلا في ضوء ديننا الذي هو نور أعيننا، وسبب اطمئناننا، وسر سعادتنا!
كم مرة ذكرت أن ما يسمونه حبا ليس هو الحب، بل هو الجنس وقد ارتدى مسوح الحب، وما إن تقع الفريسة حتى يخلع الذئب الماكر ثياب الحَمَل الوديع ويظهر على حقيقته، مكشرا عن أنيابه، مستعدا لتمزيق فريسته، وبعد أن يقضي وطره منها، يرميها غير آسف ولا نادم فقد أصبحت أرخص من التراب!
إذا كان ما تذكرينه حقيقة من كلام هذا الرجل لك عن حاجته للحب والعطف، فاعلمي أنه ذئب جائع، يريد أن يلتهمك دفعة واحدة، وبعد أن يشبع من لحمك الحرام، سيرميك جلدا وعظما، وستجلسين تندبين حظك والأيام.
يا ابنتي اعلمي أن الله لم ينزل آية في القرآن إلا وفي كل كلمة حكمة، وقد قال سبحانه:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور/30-31) .
وقال:{وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(النور/ 60)، وقال:{إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} (الأحزاب: آية 32).
فهلا غضضتِ بصرك واتقيتِ ربك وتوقفتِ عن الخضوع بالقول لهذا الرجل الذي في قلبه مرض؟ هلا عرفت أن الله أعطاك نعمة البصر والسمع لتطيعي الله بها وليس لتستعمليها في معاصيه؟ {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء/ 36).
اسمعي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن الزنا: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه"، فأنت إلى الآن تزنين بجوارحك، وقلبك يهوى ذلك الرجل ويتمناه، ولم يبق بينك وبين الزنا الكامل إلا خطوة.. فانتبهي وأسرعي لإغلاق منافذ الشيطان الذي هو عدو لك، وقد سلط عليك شيطان الإنس وهو هذا الرجل، كما أنك دُمية الشيطان يغريه بها، لتقعا في الفاحشة وتخسرا دنياكما وآخرتكما، ولو أنه كان يريدك حقا لطرق الباب على أهلك وتقدم طالبا يدك، خاصة أن الزواج الثاني في مجتمعك ظاهرة موجودة، وإلا لما كنت فكرت في شخص متزوج أصلا.
قال تعالى:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(البقرة/ 189) فهل تغلقين باب السطح كي لا يتسلل إليك اللص المتمثل بهذا الشخص، ويسرق زهرة عمرك وريعان شبابك، ويخطف حياءك وعفافك، ويمنحك بدلا منها غما وهما وعذابا وذلا؟ ورب حلاوة ساعة أورثت حزنا طويلا!
أرجو أن تستفيدي من كلامي وتوسعي مداركك، وتُعْملي عقلك فيما ينفعك دينا ودنيا، وما زال أمامك الطريق طويلا للتفكير في الزواج وإن كان لا بد منه فلا شيء يدفعك إلى التفكير بشخص متزوج أساسا إلا إذا كان الأمر مجرد تشوقك إلى سماع ألحان الحب الكاذبة، فلا عليك ما دام الكاذبون كثر وأدعياء الحب أكثر:
وكلٌ يدَّعي وصلا بليلى **** وليلى لا تُقرُّ لهم بِذاكا
يا ابنتي.. لا يوجد في هذا الزمن شيء اسمه الحب بل هو إما مصلحة مادية أو رغبة جسدية، إلا عند من اتقى الله فمنحه الله نورا يستطيع معه التفريق بين غرائزه وشهواته من جهة، وبين عواطفه ومشاعره من جهة أخرى، وقليل ما هم.
لا تنسي أن تَصلي ما انقطع من حبال المودة بينك وبين ربك وهو الودود الرحيم، فاستعيني على نفسك بالطاعة والتقوى، وأضيفي إليها شيئا من الحياء الذي هو فضيلة الفضائل لدى فتاة في عمرك، واغتنمي شبابك قبل هَرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، واحفظي الله يحفظْك ويرزقْك الزوج الصالح الذي يتقي الله فيك، ولا يخونك في غيابك، كما يفعل هذا الرجل مع زوجته، وتذكري الحكمة: "كما تدين تدان".
ولتصحيح مفهومك أنت وأمثالك من الذين يظنون أنهم متيمون حبا ذائبون عشقا، أختم بهذه القصة عن عفاف الحب وسموّه، لعل في التذكير عبرة "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين":
كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد فنزل في جوار قوم، فنظر إلى فتاة منهم جميلة فهواها وهام بها عقله، ونزل بالفتاة ما نزل به فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها، فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الفتاة: قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك، فإن شئت زرتك وإن شئت سهَّلت لك أن تأتيني إلى منزلي، فقال لرسولها: ولا واحدة من هاتين الخلتين، "إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (الأنعام: آية 15)، أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهيبها. فلما أبلغها الرسول قوله قالت: وأراه مع هذا يخاف الله؟ والله ما أحد أحق بهذا من أحد – أي بالعبودية لله والخوف منه سبحانه – وإن العباد فيه لمشتركون. ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها - أي ما يجعلها تتعلق بالدنيا من مال وغيره - خلف ظهرها، وجعلت تتعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت من ذلك، فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها، فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر فقال: كيف أنت؟ وما لقيت بعدي؟ قالت:
نعم المحبة - يا سؤلي – محبتكم **** حب يقود إلى خير وإحسان
فقال: على ذلك إلام صرت؟ فقالت:
إلى نعيم وعيش لا زوال له **** في جنة الخلد ملك ليس بالفاني
فقال لها: اذكريني هناك فإني لست أنساك. فقالت: ولا أنا والله أنساك، ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا، فأعني على نفسك بالاجتهاد -أي في العبادة- فقال: متى أراك؟ فقالت: ستأتينا عن قريب فترانا، فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات رحمه الله تعالى.
أحلم أن أكون زوجته الثانية، ولكن أخشى أن أصرح له بحقيقة مشاعري وألقى ردة فعل ليست من صالحي.. حبي الشديد له يجعلني أغار غيرة شديدة من زوجته ومن أي شخص يُكنّ له الحب والتقدير. أنا متأكدة من مشاعري جيداً، وتلك ليست مشاعر مراهقة طارئة سرعان ما تزول فأنا فتاة واعية وفاهمة جيداً.
أرجوكم أرشدوني فأنا في حيرة من أمري وكذلك أنا متمسكة بهذا الرجل فنحن متفقان في كل شيء، وأفكارنا متقاربة كثيراً، كما أنه دائما يردد على مسامعي بأنه محتاج للحب والحنان والعطف الذي يفتقده، وطلب مني أن أعوض له ذلك.. وإذا قلت له: هل تجد ذلك لدى زوجتك ؟ قال: بأنه وحيد، وليس هناك من يعوض له ما يحتاج. أنا أرى أن لديه فراغا عاطفيا، ولكن بماذا تنصحوني ؟ تحياتي لكم.
قصة حقيقة ~ًٍَُِ]ِ~ْ~َِِ قصة مشوقة بين زوجها زوجته
يا حبيبتي.. يا من تتكلمين عن الفراغ العاطفي في حياة غيرك.. وتستطيعين التفريق بين مشاعر المراهقة الطارئة ومشاعر النضوج المستقرة..
يا صديقتي "الواعية".. هل تعلمين أن عمرك عمر المراهقة، وأنك تعيشين في فراغ عاطفي وتحتاجين إلى حنان أبوي ؟ لذلك وقعت في حب هذا الرجل الذي تقولين إنك لا تعلمين حقيقة مشاعره، لكنه يقابلك بكل اهتمام وحنان، فهل تعرفين أيتها "الفاهمة جيدا" أن الاهتمام والحنان هما مشاعر ؟ ألا تفهمين عندما يقول لك إنه يفتقد إلى الحب والحنان والعطف ويطلب أن تعوضي له ذلك الفقد.. أنه بحاجة إلى مشاعر ويريد أن تغمريه بحبك وحنانك وعطفك؟ فكيف تقولين بعد كل هذا إنك لا تعلمين حقيقة مشاعره ؟!
ثم تقولين إنكما متفقان في كل شيء وأفكاركما متقاربة فأين يا عزيزتي تقابلتما حتى اطلعت على أفكاره؟ هل قابلته على الشرفة أم في أسفل الدرج "بير السلم" كما في القصص والأفلام؟! وكيف تعرفت عليه؟ هل من خلال معاكسة هاتفية أو رمى لك بطاقة فيها رقم هاتفه كما يبدأ التعارف بين الشاب والفتاة عندكم عادة؟!
يا حبيبتي.. أنت تعيشين في مجتمع مغلق بكل معنى الكلمة، فأي حركة من المرأة يفسرها الرجل أنها إغواء له، وأي كلمة من الرجل تحسبها المرأة أنها إعجاب بها. وخيال امرأة يثير في الرجل أنات وآهات، وشبح رجل يشعل في المرأة رغبة أو رهبة، والحياة عندكم أبيض أو أسود ولا ثالث بينهما، وأنت تفهمين ما أقصد بالبياض والسواد، والخادمة هي من تعلِّم الأولاد القيم والأخلاق، والسائق هو من يتبنى الصبي أو البنت، ولذلك يصل الرجل والمرأة إلى سن النضج ولا يعرفان من الحياة إلا كمعلومات الطفل الصغير عنها، ثم تأتي أنت وفي عمرك هذا لتقولي إنك واعية وفاهمة!!
فأي وعي هذا الذي يجعلك تربطين مشاعرك برجل متزوج؟ وأي فهم هذا الذي يجعلك تفكرين أن تبني سعادتك على خراب بيوت الآخرين؟ وهل تظنين أنك ستجدين السعادة في بيت أوهى من بيت العنكبوت؟
هل الخلل في تفكيرك أنت؟ أم في جموح عواطفك؟ أم في عدم رعاية أهلك لك؟ أم في صديقاتك اللواتي يتباهين بعلاقاتهن أمامك، إذ لا تبلغ الواحدة منهن سن المراهقة إلا ويكون لها صديق مع اختلاف العلاقة من غزل على الهاتف إلى كلام وسلام أو موعد ولقاء؟
مَن المسؤول عن انشغال الفتيات والشبان بهذه السخافات باسم الحب والحب منها بريء؟ أليست حلقة واحدة من مسلسل مدبلج كافية لتهديم كل خلق وتحطيم كل فضيلة؟ كيف يستطيع المصلحون إكمال البناء ومعاول الهدم تضرب به من كل جانب؟ والله إن مجتمعاتنا بحاجة إلى جيوش من المصلحين ليعملوا على تغيير العقول وإصلاح النفوس، قبل أن نطلب جيوشا لتحرير فلسطين!
متى يبلغ البنيان يوما تمامه **** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
كيف يتعلم هذا الجيل أن الدين ليس زيا موحدا أبيض أو أسود، وليس مظهرا جامدا بل هو الحياة؟ متى يفهم أنه لا دنيا لمن لم يحي دينا؟ كيف يعرف أنه لا حياة بدون فهم عميق وتأصيل أكيد لمعاني الخوف والخشية من الله لا الخوف من المجتمع وكلام الناس؟ متى يدرك الآباء والأمهات عمق المسؤولية وثقل الأمانة؟
وهنا يحق لي أن أسأل: أين والداك المسؤولان عنك؟ وماذا يعلمان عن علاقتك بهذا الرجل؟
م من أين لي أن أعرف إذا كان ما تقولينه عن هذا الرجل حقيقيا أم من بنات أفكارك ووحي خيالك؟ فأحلام اليقظة مسيطرة على عمرك الحالم، وعقلك ملغى أمام تحكّم قلبك وعواطفك بسبب سنك الجامحة! وإن كنت أحمد الله على بقية من عقل لديك ما زالت تمنعك من الانسياق وراء نزوة العاطفة التي قد تقودك إلى الانجراف في بحر الخطيئة.
وعلى فرض أنه يردد على مسامعك أنغامه "الشجية" المحتاجة للحب والعطف والحنان، فهل تعرفين أين سيوصلك طربك بهذه الموسيقى المحرمة؟ هل تدركين في أي واد سحيق سوف تقعين إذا تماديت في هذه اللعبة الماجنة؟
بما أنك تطلبين النصيحة، فاعلمي أنك إذا داومت على حديثك مع هذا الرجل فإن الأمر سيتعدى مجرد الكلام إلى مرحلة لا تحمد عقباها، وإذا صارحته بحقيقة مشاعرك، فإن ردة فعله ستكون التصرفات التالية:
سيعبّر لك عن المزيد من مشاعر الاحتياج، وسيسمعك الكثير من كلمات الهيام، وسيضيف إليها كثيرا من معاني الرجولة التي سيدّعي أنه يتمتع بها، وسيستدرجك بالكلام المعسول والعواطف الزائفة إلى أقرب مكان يستطيع فيه التعبير لك عن أشواقه وحبه وعشقه، ولكن أتراك تعرفين كيف يعبر الرجل عن مشاعره، خاصة إذا وجد صيدا سهلا مثلك؟!
الطريقة الوحيدة التي سيعبّر لك بها هي أن يتعامل معك جنسيا، وقد تقاومين وتبكين، ولكن أين المفر بعد أن وقعت الفريسة في شباك وهم اسمه الحب؟
كم مرة في ردودي نصحت الفتيات أن يضعن قلوبهن من وراء عقولهن لأن الأنثى إذا أحبت فقدت رشدها، وإذا هويت هوت، وإذا علقت بالشَّرَك المنصوب فقدت كل شيء من عذريتها إلى حيائها وشرفها وعفافها!
كم مرة قلت: إن الدين لا ينكر الحب، لكنه يحرم كل تصرف خاطئ يقود إليه هذا الحب من الفكرة والنظرة إلى الكلمة والهمسة، إلى اللقاء واللمسة!
كم مرة بينت أننا هنا في هذه الصفحة لسنا مستعدين لحل أي مشكلة عاطفية أو غيرها إلا في ضوء ديننا الذي هو نور أعيننا، وسبب اطمئناننا، وسر سعادتنا!
كم مرة ذكرت أن ما يسمونه حبا ليس هو الحب، بل هو الجنس وقد ارتدى مسوح الحب، وما إن تقع الفريسة حتى يخلع الذئب الماكر ثياب الحَمَل الوديع ويظهر على حقيقته، مكشرا عن أنيابه، مستعدا لتمزيق فريسته، وبعد أن يقضي وطره منها، يرميها غير آسف ولا نادم فقد أصبحت أرخص من التراب!
إذا كان ما تذكرينه حقيقة من كلام هذا الرجل لك عن حاجته للحب والعطف، فاعلمي أنه ذئب جائع، يريد أن يلتهمك دفعة واحدة، وبعد أن يشبع من لحمك الحرام، سيرميك جلدا وعظما، وستجلسين تندبين حظك والأيام.
يا ابنتي اعلمي أن الله لم ينزل آية في القرآن إلا وفي كل كلمة حكمة، وقد قال سبحانه:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور/30-31) .
وقال:{وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(النور/ 60)، وقال:{إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} (الأحزاب: آية 32).
فهلا غضضتِ بصرك واتقيتِ ربك وتوقفتِ عن الخضوع بالقول لهذا الرجل الذي في قلبه مرض؟ هلا عرفت أن الله أعطاك نعمة البصر والسمع لتطيعي الله بها وليس لتستعمليها في معاصيه؟ {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء/ 36).
اسمعي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن الزنا: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه"، فأنت إلى الآن تزنين بجوارحك، وقلبك يهوى ذلك الرجل ويتمناه، ولم يبق بينك وبين الزنا الكامل إلا خطوة.. فانتبهي وأسرعي لإغلاق منافذ الشيطان الذي هو عدو لك، وقد سلط عليك شيطان الإنس وهو هذا الرجل، كما أنك دُمية الشيطان يغريه بها، لتقعا في الفاحشة وتخسرا دنياكما وآخرتكما، ولو أنه كان يريدك حقا لطرق الباب على أهلك وتقدم طالبا يدك، خاصة أن الزواج الثاني في مجتمعك ظاهرة موجودة، وإلا لما كنت فكرت في شخص متزوج أصلا.
قال تعالى:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(البقرة/ 189) فهل تغلقين باب السطح كي لا يتسلل إليك اللص المتمثل بهذا الشخص، ويسرق زهرة عمرك وريعان شبابك، ويخطف حياءك وعفافك، ويمنحك بدلا منها غما وهما وعذابا وذلا؟ ورب حلاوة ساعة أورثت حزنا طويلا!
أرجو أن تستفيدي من كلامي وتوسعي مداركك، وتُعْملي عقلك فيما ينفعك دينا ودنيا، وما زال أمامك الطريق طويلا للتفكير في الزواج وإن كان لا بد منه فلا شيء يدفعك إلى التفكير بشخص متزوج أساسا إلا إذا كان الأمر مجرد تشوقك إلى سماع ألحان الحب الكاذبة، فلا عليك ما دام الكاذبون كثر وأدعياء الحب أكثر:
وكلٌ يدَّعي وصلا بليلى **** وليلى لا تُقرُّ لهم بِذاكا
يا ابنتي.. لا يوجد في هذا الزمن شيء اسمه الحب بل هو إما مصلحة مادية أو رغبة جسدية، إلا عند من اتقى الله فمنحه الله نورا يستطيع معه التفريق بين غرائزه وشهواته من جهة، وبين عواطفه ومشاعره من جهة أخرى، وقليل ما هم.
لا تنسي أن تَصلي ما انقطع من حبال المودة بينك وبين ربك وهو الودود الرحيم، فاستعيني على نفسك بالطاعة والتقوى، وأضيفي إليها شيئا من الحياء الذي هو فضيلة الفضائل لدى فتاة في عمرك، واغتنمي شبابك قبل هَرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، واحفظي الله يحفظْك ويرزقْك الزوج الصالح الذي يتقي الله فيك، ولا يخونك في غيابك، كما يفعل هذا الرجل مع زوجته، وتذكري الحكمة: "كما تدين تدان".
ولتصحيح مفهومك أنت وأمثالك من الذين يظنون أنهم متيمون حبا ذائبون عشقا، أختم بهذه القصة عن عفاف الحب وسموّه، لعل في التذكير عبرة "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين":
كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد فنزل في جوار قوم، فنظر إلى فتاة منهم جميلة فهواها وهام بها عقله، ونزل بالفتاة ما نزل به فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها، فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الفتاة: قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك، فإن شئت زرتك وإن شئت سهَّلت لك أن تأتيني إلى منزلي، فقال لرسولها: ولا واحدة من هاتين الخلتين، "إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (الأنعام: آية 15)، أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهيبها. فلما أبلغها الرسول قوله قالت: وأراه مع هذا يخاف الله؟ والله ما أحد أحق بهذا من أحد – أي بالعبودية لله والخوف منه سبحانه – وإن العباد فيه لمشتركون. ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها - أي ما يجعلها تتعلق بالدنيا من مال وغيره - خلف ظهرها، وجعلت تتعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت من ذلك، فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها، فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر فقال: كيف أنت؟ وما لقيت بعدي؟ قالت:
نعم المحبة - يا سؤلي – محبتكم **** حب يقود إلى خير وإحسان
فقال: على ذلك إلام صرت؟ فقالت:
إلى نعيم وعيش لا زوال له **** في جنة الخلد ملك ليس بالفاني
فقال لها: اذكريني هناك فإني لست أنساك. فقالت: ولا أنا والله أنساك، ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا، فأعني على نفسك بالاجتهاد -أي في العبادة- فقال: متى أراك؟ فقالت: ستأتينا عن قريب فترانا، فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات رحمه الله تعالى.
تعليق