اعتبر محلل سياسي أردني أن القضية الفلسطينية في حالة "استفحال للمأساة، وفي حالة تراجع كقضية قومية وعربية وعالمية"، مرجعا الأسباب إلى أن "التعاطي الفلسطيني بالدرجة الأولى والعربي بالدرجة الثانية كان منحرفاً ومتخبطاً ولم يستطع أن يستثمر تضحيات الفلسطينيين والعرب من أجل رفع من شأن القضية الفلسطينية"، وفق رأيه.
وفي مقابلة خاصة مع "قدس برس" ضمن سلسلة تقارير حول الذكرى الستين لنكبة فلسطين أوضح جورج حداد الكاتب الصحافي في صحيفة الدستور الأردنية وعضو في حزب القومي الاجتماعي السوري أن "ما قامت به بعض القيادات الفلسطينية من بيع فلسطين من خلال صفقات مشبوهة يقوم بها بعضهم مع الجهات الإسرائيلية، كصفقات الإسمنت المسلح لدعم الجدار العازل، وغيرها تدل على أن هنالك انحراف واضح عن المسار الصحيح للقضية والنهج الذي اُتبع منذ الستينات".
وتابع حداد "الأمر مختلف عند الشعب الفلسطيني الذي كشف أنه على استعداد دائم للثورات والتضحيات من أجل هدف سام وهو إعلاء شأن قضيته"، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن "يتم عزل فلسطين عن محيطها العربي، والإسلامي، والعالمي"، معتبراً أنها "جزء لا يتجزأ من رحاب هذا العالم الواسع"، وفق وصفه.
ونوه المحلل السياسي الأردني بالتضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني والمقاومة اللبنانية "تثبت أن إرادة التحدي للنهوض وإرادة الحياة ما تزال بخير، وأن ما يحدث في فلسطين والعالم العربي، ليس أكثر من تخبطات ستزول قريباً"، معتبراً أن الأمر ليس أكثر من "عملية شد الحبل". وأوضح في هذا الصدد أن "العرب لن يستطيعوا أن يقدموا المزيد من التنازلات للدولة العبرية ولأمريكا، ذلك لأن تداعيات ما يجري في العراق ولبنان تشير إلى أن الغليان الشعبي بدأ يستنهض من جديد، مما يعني أن عمر الأنظمة العربية على المحك، وهي أنظمة زائلة لا محالة، والمسألة تكمن بالوقت لا أكثر".
ولفت عضو في الحزب القومي الاجتماعي السوري المحظور في الأردن إلى أن "في تاريخ كل الأمم تبرز من وقت لآخر حكومات وقيادات وأنظمة لا تعبر عن إرادة الشعوب، إلا أن من رحم هذه الأنظمة تنبثق الثورات، لأن الأمراض لا تصيب الشعوب في الصميم، وإن تعثرت بها لوقت من الزمن، إلا أن المعدن الأصيل للشعوب يبقى هو الأسمى، والإرادة الشعبية هي الأعلى، وستنتصر يوماً قريب"، مشيراً إلى أن الأمر "ينطبق على العالم العربي"، منوهاً إلى أن "اليقظة والإرادة العربية قد بدأت وتيقظت"، على حد تعبيره. وقال إن "هنالك ألوف مؤلفة من الشعب العربي تواقة للشهادة، والنهضة"، مستدركاً أن ما تقوم به بعض القيادات العربية "من اللهاث نحو إسرائيل والولايات المتحدة، ما هو إلا فقاقيع صابون ستنجلي قريباً"، وفق وصفه.
ورأى حداد بأن "لا مستقبل للدولة العبرية"، مشيرا إلى أن "المستوطن اليهودي عبر التاريخ كان هشاً وجباناً ويعاني من أنواع عديدة من الفوبيا"، معتبراً أن زيارة الرئيس الأمريكي لاحتفالية تل أبيب "بذكرى قيام دولتها الستين"، وفق مزاعمهم، جاءت "لطمأنة المستوطن اليهودي الإسرائيلي بأنه في مأمن في دولته، وعليه البقاء".
ولفت المتحدث إلى أن هنالك "ثلاث هزات تعرضت لها (الدولة العبرية) ستؤدي إلى زوال قريب لها"، وهي: "الأولى.. برزت إبان وبُعيد ما سمّاه اليهود أنفسهم الزلزال، حين اقتحم الجيشان السوري والمصري حدود الاحتلال المحصّنة في حرب تشرين أول (أكتوبر) 1973"، متابعاً أن "الثانية.. بعد اجتياح القوات الإسرائيلية بقيادة وزير الدفاع آنذاك، شارون لبنان واحتلت بيروت (1982)، عندها بدأت المقاومة اللبنانية ثم الفلسطينية، عملياتها الاستشهادية التي أطلق إسحاق رابين على فدائييها اسم المجانين. هذا النوع من العمليات المجنونة امتدّ ليبلغ ذروته عام 1996، مما جعل المستوطن اليهودي المغتصب في حالة رعب متواصل"، متابعاً أن "المرة الثالثة.. بعد انسحاب قوات الاحتلال من لبنان عام 2000، وفشل هذه القوات الصارخ في حرب تموز (يوليو) 2006 بالرغم من كل ما تملكه من ترسانة سلاح ومعدّات قتل ودمار متطورة، فضلا عن دعم أمريكي عسكري وسياسي غير محدود".
إلا أن حداد دق ناقوس خطر لم يذكر من قبل بشأن قضية مستقبل الدولة العبرية "وزوالها"، على الرغم من طرح كافة المراقبين الذين قامت قدس برس بسؤالهم حول هذا الأمر وأجمعوا على فكرة "الزوال"، فقد تخوف حداد من أن "تزول إسرائيل بعد أن نزول نحن (الشعوب العربية)"، لافتاً إلى أن ما يجري في المحيط العربي، والأراضي الفلسطينية "من ضغوطات على الشعوب العربية، ومحاولة إبادته في كل من العراق، وفلسطين، ولبنان، وتهجير الآخرين من دول أخرى كالأردن، ومصر"، مفاده أن "هنالك خطر زوال عربي لا محالة إن استمر الوضع على حاله، وهو أمر ترغب به كل من تل أبيب، وواشنطن، لأنه يعطي بعض الوقت لإسرائيل ليكون لها بعض الوجود المريض على الساحة"، مشيراً إلى أنه "لا يتم التخلص من هذا الوضع إلا من خلال سرعة نهوض المواطن العربي في بلادنا، وكسر حاجز العجز من القفز عن حاجز الموت، وهو أمر بدأ في كل من فلسطين، والعراق، والمقاومة في لبنان".
وحول قيام دولة فلسطينية في المستقبل، نفى عضو في الحزب القومي الاجتماعي السوري المحظور في الأردن قيامها، موضحاً وجهة نظره بتساؤله حول "كيف ستعيش هذه الأرض وهي تعتاش على المساعدات الخارجية كدول عربية أخرى"، معتبراً أن "لقيام دولة هنالك أسس وعوامل وشروط، لا تنطبق على فلسطين سواء في حدود أراضي الـ67، أو فلسطين التاريخية"، مستدركاً أن "لقيام دولة فلسطينية يجب أن تتوحد الجهود العربية، ليتم إعادة إحياء سوريا الكبرى (بلاد الشام: والتي تضم الأردن، سوريا، فلسطين، لبنان)، لا على شكل كنتونات كما يجري الآن"، معتبراً أن "فلسطين لا تنفصل على سوريا الكبرى، وهي جزء لا يتجزء من هذه الوحدة".
ورأى المحلل السياسي أن الوقت الآن في ملعب الشعب العربي فإما أن "ينهض ويتآزر لدحض كافة عوامل خذلانه، وإما أن يستمر كما هو"، مشدداً على أن المواجهة مع الدولة العبرية في الوقت الراهن تتم على معادلة إما "أن يزيلونا أو نزيلهم"، حسب تعبيره.
تعليق