(لم أتذوق طعم الموت.. لكنني تذوقت طعم غيابك.. فاقتربت من الموت كثيراً)
يا أغلى مَنْ على الأرض
أحقاً افترقنا؟
أحقاً مات كل من على الأرض؟
أحقاً بقيت وحدي
أبحث عنك في كل الجهات
بالطول وبالعرض؟
أحقاً بقيت خلفك؟
ألملمني
ألصق بعضي من شتاتي
في بعضي؟
وأستيقظ صباحاً
أفتح عيني للحياة وألمح سقف
غرفتي
فأشعر بالألم والإحباط
لاكتشافي أنني ما زلت على قيد
الحياة
وأن فراقك لم يكن كابوس ليلة
عابرة
وأن هناك معاناة ما ستبدأ بعد
قليل
مع واقع لا يحتويك
فأغمض عيني مرة أخرى
لا شيء بعدك يستحق
الاستيقاظ
لا شيء بعدك يستحق
الاستمرار
لا شيء بعدك يستحق شيئاً
وأمدُّ يدي إلى هاتفي
أنيره في عتمة الظلمة
أبحث فيه عن أي شيء منك
يمنحني الفرح
فلا أجد سوى شبح غياب
مقيت
أقذفه بعيداً عني
وأجلس على سريري
أنكمش على نفسي
أضع رأسي على ركبتي
تغطيني ضفائري كامرأة
بدائية
يخيل إليّ أنني أرتعش أمام
واقع فراقك
كطفلة نامت في أحضان
والديها بأمان
واستيقظت.. لا أحد فوق
الأرض سواها
أتحرك من سريري في اتجاه
مرآتي
أبتسم للأنثى التي أراها في
المرآة
أوشك على سؤالها من هي ؟
لكني أرتعب حين أدقق في
وجهها
إنها تشبهني
حتماً هي ليست أنا
هي تكبرني بعشرات السنين
هي ضفائرها مهملة وأنا
ضفائري معطرة
هي على وجهها علامات الحزن
والانكسار
وأنا وجههي شموخ الأرض كان
فيه
ويرعبني تخيل أنها أنا
وأن فراقك قد تلاعب بعجلة
عمري
فنقلني ليلة الأمس
من ربيع العمر إلى خريفه
وأن صدمة رحيلك قد قذفت
بي
من شموخ الحزن إلى انكساره
أهي صدمة الفراق
أم هو ذبول الحزن؟
نعم
إنه ذبول الحزن الذي يباغت
ربيعنا ذات غدر
فلا يبقي ولا يذر
أتجول بسيارتي بلا هدف
كأني أبحث عنك في زحامهم
أسمع الأماكن وأغالب البكاء
وأبحث عن مكان جمعني بك
فلا أجد
لم تجمعني بك الأماكن يوماً
لا شيء في وطني يربطني بك
ولا شيء في وطنك يذكرك بي
فمرورك لم يكن حولي كي
أغيّر المكان
مرورك كان.. بي
فكيف أغيّر.. بي؟
(البعض عندما يرحل.. يأخذ كل الأشياء معه.. وكأنه يحمل الكون في حقيبته ويمضي.)
أتجه إلى البحر
أقف فوق شاطيء البحر وحدي
تخنقني العبرة عند رؤيته
ويخيل إليّ أنها أيضاً تخنقه
فكم وقفت على هذا البحر
وكم حدثته عنك
وكم كتبت اسمك على رماله
وكم لعبت في أمواجه
وكم وقفت في منتصفه
وصرخت متحدية فيروز بأعلى
صوت
ما أصغر بحرك يا فيروز
وما أقرب سماك
أنا أحبه أكبر من البحر وأبعد من
السماء
فاسأل البحر في وطني إن زرته
يوماً كم أحببتك
وعلى البحر أقتطع تذاكر الحنين
وأسافر إليك خيالاً
وأتذكر
حين قلت لي يوماً إنك تحبني
فصدقتك
لأن مثلك لا يقول إلاّ صدقاً
وقلت لي إنني لا أغادر ذاكرتك
و صدقتك
لأن مثلك لا يقول إلاّ صدقاً
وقلت لي إنك لم تتركني من أجلها
وصدقتك
لأن مثلك لا يقول إلاّ صدقاً
وها أنذا أحصي خلفك عدد المرات
التي قلت فيها.. وصدقتك
لأن مثلك لا يقول إلاّ صدقاً
وأعود إلى غرفتي
أطفيء أنوار المصابيح
وأشعل شموعي الملونة
أملأ محيطي بالبخور
وأطلق أسر ضفائري
وأتحول إلى أنثى غجرية
أزين إصبع قدمي الصغيرة بخاتم
صغير
وأضع الخلاخل التي أعشقها في
قدمي
لا أعلم لماذا تُدهش صديقاتي
من عشقي وضع الخلاخل
فكل بلد زرته أحضرت منه خلخالاً
مميزاً
وأتحول إلى أنثى بكامل زينتها
قبل النوم
برغم يقيني أن روميو لا يقف
تحت شرفتي
ولا قيس سيأتي كي يقبِّل جدار
منزلي
ولا الأمير الحمداني سيرسل إليَّ
قصائد الشوق من أسره
إنها طقوس غبية اعتدت عليها
منذ أن أدركت أنني أنثى ولست
رجلاً
منذ أن عشقت نزار وأنثى نزار
منذ أن عاهدت نفسي أن على
أدللها إلى أن يأتي من يدللها
وكم تمنيت أن أتخلص من هذه
العادات الغبية
التي تثير استياءهم ودهشتهم من
حولي
وتشعرني بأنني امرأة من كوكب
آخر لكني فشلت
وأمرُّ بالمكان
الذي أخبرتك يوماً أنه بيتي
لأنه بقعة الأرض الوحيدة التي
تجمعني بك
ووعدتك بألاّ أمرَّ به بعد الفراق
لكنني ما زلت أمر
رغماً عني أمر
أتقصى أخبارك وأخبارهن
أمر بهلع أمِّ أضاعت طفلها الوحيد
في غابة مليئة بالوحوش
المفترسة
أمر بمرارة عاشقة
تسير في اتجاه الفصل الأخير من
حكايتها
أمر بجرح زوجة تركت زوجها
الذي تعشق
بصحبة امرأة أخرى زُفت إليه منذ
قليل
أمر بانكسار أنثى خذلتها عند
الحنين
كل القلوب والأبواب والدروب
فأراك ولا أراك
أجدك.. ولا أجدك
وأجلس في ركن قصي في غرفتي
أستند إلى الجدار
وهاتفي النقال في يدي
أقلّب صندوق الرسائل فيه
أقرأ قديم (مسجاتك)
يستوقفني (مسج) أرسلته إليَّ ذات
حب
يقول (!!!!!!!!!)
فأبتسم بألم وأضع وجهي في يدي
وأبكي شوقاً إليك
رنة خاصة لرقم هاتفك
ونسيت أن أخبرك قبل أن ترحل
أن اتصالك كان بشارة عمري
وأجلس فوق سجادة صلاتي
أرفع يدي للدعاء بنسيانك
أتراجع يرعبني نسيانك
فمن نفس هذا المكان
رفعت يدي ليالي أدعو الله أن
تكون لي ومعي
ومن نفس هذا المكان
دعوت الله أن تكون أسعد خلقه في
كونه
ولم أستخره بك يوماً
كنت أخشى أن تكون لي شراً
فيبعدك الله عني
فأنت لم تكن شيئاً عادياً في حياتي
لم تكن إحساساً عابراً
لم تكن مرضاً يمكن الشفاء منه
أنت كنت في عمري
شيئاً يفوق عمري
وها هو عمري يخلو منك
وها هو عمرك يمتليء بها
تُرى.. هل غاب من عالمك
عطري
هل احتفلتَ معها بعودتها بعد
غياب إليك
هل أحببتها حدَّ نسياني؟
هل اقتربت منها حد خيانتي؟
هل ما زلت تتمنى أن تزفني إلى
آخر؟
في ليلة تسمى (لعنة العمر)
فأجلس بجانبه
وبيني وبينه تجلس.. أنت
يلتصق بي.. وبيني وبينه.. تقف
أنت؟
تُرى..
كم سنة يجب أن أغمض عيني وأنا
معه؟
حتى أتقبل أنه ليس أنت؟
وأعود إلى فراشي
أضم صورتك إلى قلبي
وأغفو
علّني في الغد أفتح عيني
فلا ألمح سقف غرفتي
تعليق