أحلام اليوم حقائق الغد :
من يود المساهمة في حركة التأثير لابد له أن يخلو بنفسه، وأن يتخيل له مستقبلاً باهراً، وأن يتمنى أمنيات غير تقليدية، وأن يحلم بواقع أفضل، ذلك أن حقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد.
لقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أهمية الأمنيات وأثرها البالغ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدري ما يكتب له". (رواه أحمد).
وقد تحدَّى الله تعالى اليهود بالأمنيات فقال: قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (6) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (7) (الجمعة).
ومن خطورة الأمنية أنها سلاح من أسلحة الشيطان، حيث يقول تعالى ذاكراً مقولة الشيطان: ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا 119 يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا 120 (النساء).
كما أن الأمنية تقوم مقام النية وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر، رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يتخبط فيه وينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، "فهما في الوزر سواء".
وجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع بعض أصحابه في مجلس من مجالس الأحلام والآمال السامية فقال لهم: تمنوا، فقال أحدهم: أتمنى أن يكون عندي ملء هذا الوادي ذهباً فأنفقه في سبيل الله، وقال الآخر: أتمنى أن يكون عندي ملء هذا الوادي خيلاً أتصدق بها في سبيل الله، فقال عمر رضي الله عنه: أتمنى أن يكون عندي ملء هذه الغرفة رجالاً كأبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي معلقاً على هذه الرواية: رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: لماذا أتمنى؟ وجواب ذلك يكمن في مسائل عدة، لعل من أهمها أمرين: الأمر الأول: أن الإنسان في تطلع دائم إلى ما هو أفضل وأحسن، ولذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "يهرم ابن آدم ويشب معه اثنان، الحرص على المال، والحرص على العمر".
ويقول إسحاق بن خليل:
لولا مواعيد آمال أعيش بها
لمتُّ يا أهل هذا الحي من زمن
والأمر الثاني: أن التمني يظهر ما في النفس من علو أو هبوط، ومن صلاح أو فساد، فقل لي ما تتمنى أقل لك من أنت، فالقلوب الطاهرة والنفوس العالية تتمنى الخير للناس جميعاً، فهذا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، يقول: "إن فيّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح ولعلي لا أقاضي إليه أبداً، وإني لأسمع الغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين، فأفرح وما لي به سائمة".
ومن الأهمية هنا أن ندرك كذلك أن الأمنيات والأحلام ليست نهاية المطاف، بل هي بداية الطريق، ولذا ينبغي أن يتبعها عمل وجد واجتهاد، وإلا فستصبح هذه الأمنيات ما هي إلا مخدِّر لا خير فيها.
يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابنه الحسين رضي الله عنه: "إياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى"، (أي الحمقى).
كما يحسن بالمرء أن يبادر بالاهتمام بأمنياته وأحلامه، وأن يرفع من قيمتها إذا ما أراد صناعة التأثير وهندسة الحياة، حتى لا يمضي الوقت وتمر الأيام وينقضي العمر وعندها يعض أصابع الندم على ما فات، ويتمنى أن يفعل شيئاً مؤثراً، ولكن يوم لا ينفع الندم ولا تجدي الأمنية.
وهذا التابعي الجليل يونس بن عبيد (الذي لقي أنس بن مالك رضي الله عنه) لما كان على فراش الموت بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: قدماي لم تغبرا في سبيل الله عز وجل".
واستمع الآن إلى ما سطره كتاب الله تعالى من حال أولئك الذين فرَّطوا في دناهم وأخروا الأمنيات السامية إلى يوم لا يجدون لها نفعاً ولا يرجون لها ثواباً، يقول الله تعالى: حتى" إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون 99 لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى" يوم يبعثون 100 (المؤمنون)، قال قتادة معلقاً على هذه الآية: "والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة، ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله عز وجل، فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب".
ويقول فرانسيس بيكون: "الأمل إفطار جيد، لكنه عشاء سيئ".
ويقول المثل التركي: "من يتكل على الأمل يمت جوعاً".
ويقول الشاعر:
ولا تكن عبدالمنى فالمنى
رؤوس أموال المفاليسا
الامانة منفول لكن العبرة اهم
تحياتي شموسة
الله المستعان
تعليق