البدعة .. مردودة على صاحبها غير مقبولة عند الخالق
د. يوسف القرضاوي - موقع القرضاوي/ 30-9-2007
روى الشيخان، عن الصدِّيقة بنت الصدِّيق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدٌّ"[1]، وفي بعض ألفاظ الحديث: "مَن أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد"[2]، وفي رواية للإمام مسلم: "مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ"[3]. أي مردود على صاحبه غير مقبول.
منزلة الحديث[4]
هذا الحديث القصير، بألفاظه القليلة المُوجَزة، أحد الأحاديث الجامعة التي يدور عليها شرع الإسلام، ولهذا عدَّه الإمام أحمد أحد الأحاديث الثلاثة التي ذكرناها من قبل[5]، فهو مُتمِّم لحديث: "إنما الأعمال بالنيات"، ولهذا قال علماؤنا: إن حديث: "الأعمال بالنيات"، ميزان للأعمال في باطنها، وحديث عائشة هذا:"مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدٌّ"، ميزان للأعمال في ظاهرها.
شروط قيول العمل
لا بد أن يتوفر للعمل الصالح المقبول، الظاهر والباطن معا: لا بد أن تتحقَّق النية الحسنة، والصورة المشروعة. فإذا توافر حُسن النية، وكانت صورة العمل غير مشروعة، فإن الله يرفض هذه النية، ولا يقبلها، ولا تشفع أبدا عند صاحبها.
مَن أكل الربا، ثم بنى من هذا الربا مسجدا، ليُصلِّي فيه الناس، ويقيموا شعائر الله، فهل تنفعه هذه النية؟ لا! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، إن عمله مردود عليه، لأن الربا عمل ليس على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول له: إنك أحدثتَ ما لم يأمر به الله، وما لم يرضَه الله، فعملك مردود عليك.
لا بد لقبول العمل، من أن يكون في صورة يشرعها الدين ويرضاها، كما يجب أن تكون وراءه نية خالصة. ولهذا قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه، في تفسير قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:7]، قال: أحسن العمل أخلصه وأصوبه، ولا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا صوابا، فما كان صوابا ولم يكن خالصا، لم يقبل، وما كان خالصا ولم يكن صوابا، لم يقبل، وخلوص العمل أن يكون لله، وصواب العمل أن يكون على السنة[6]. أي على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرعه.
ومن هنا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول ولا عمل إلا بنية، ولا ينفع قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة[7].
التشريع من خصائص الربوبية
لا بدَّ أن يوافق الإنسان شرع الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس الناس أحرارًا في أن يشرعوا ما يُريدون، وأن يلتزموا ما يُريدون، فإنهم مقيدون بحدود الله، وبشرع الله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
الأصل أن يتقيد الإنسان في شرائعه كلِّها بما حدَّ الله ورسوله، ومن زاد على ذلك أو نقص تبعا لهواه، أو وِفقا لمزاجه، أو تحسينا للظن بعقله هو، أو بعقل زيد وعمرو من البشر، فإن عمله هذا كلَّه مردود عليه.
إن النبي صلى الله عليه وسلم، وضع لنا بهذا الحديث الجامع من جوامع الكلم، هذا الميزان: ألاَّ نقبل عملاً إلا إذا كان على شرع الله.
ليس للناس أن يبتدعوا وأن يحدثوا في دين الله ما لم يُرده الله ولم يأمر به، فإن "كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"[8].
أثر الابتداع في الأديان السابقة
لقد فسدت الأديان السابقة قبل الإسلام بهذه المُحدَثات، وبهذه المُبتدعات، حيث أحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله، وزادوا عما شرع الله، ونقصوا مما فرض الله، فأصبحت عباداتهم وفرائضهم وشرائعهم شيئا آخر عن الدين الذي أمر الله به.
صنع النصارى ذلك في عباداتهم، فغيَّروا في الصلاة، وغيَّروا في الصيام، نقلوا الصيام من أيام إلى أيام، حتى لا تكون في أيام الحرِّ، فنقلوها إلى أيام أخرى، وزادوا في عدد الأيام حتى صار صوما غير الصوم الأول، وهكذا في الأطعمة، بعد أن كان لحم الخنزير مُحرَّما عليهم، كما في التوراة، أحلَّ لهم بولس مُعظم الأطعمة، بل كل الأطعمة، ويروون عن المسيح أنه قال لهم: (ما حللتم في الأرض فهو محلول في السماء، وما عقدتم في الأرض فهو معقود في السماء).
الدين كمل وليس لأحد أن يزيد فيه
أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُبِح لعلماء أمته أن يُحلوا ويربطوا، ويحرِّموا ويبيحوا، ويشرعوا ويزيدوا، وينقصوا أبدا ...
فليس لعلماء المسلمين في الأرض، في مشارقها ومغاربها، وشمالها وجنوبها ... ولو اجتمعوا على صعيد واحد، في شكل مؤتمر أو مَجمَع، أو أي شيء من هذا: أن يزيدوا في دين الله، أو ينقصوا منه أبدا ...
لا يمكن لأحد أبدًا أن يزيد في هذا الإسلام أو ينقص منه، بعد أن أتمَّ الله نعمته بإكماله، وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، وقال صلى الله عليه وسلم: "قد تركتم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك"[9].
الهالك هو مَن زاغ عن هذه المحجَّة البيضاء، التي صوَّرها النبي صلى الله عليه وسلم، بأنها: "ليلها كنهارها"، أي أنها مُشرقة مُنيرة، مُستبينة، واضحة، دائما أبدا.
ليس لأحد في الإسلام أن يزيد أو ينقص من شرائعه وفرائضه وعباداته، كما فعل النصارى في دينهم فشوَّهوه وأصبحت العقيدة نفسها تتصوَّر تبعا لتصوُّر المجامع التي تُعقد والمجالس التي تُدعى، فيُدعى مجمع ليجتمع، ويُقرِّر أن المسيح إله، وآخر يُقرِّر أن نصفه إله ونصفه إنسان، وأنه ناسوت دخل اللاهوت، ولاهوت امتزج بالناسوت، إلى آخره[10] ... ليس في الإسلام شيء من ذلك، ولا يملك أحد أن يفعل هذا أبدًا ... ولو أن بعض المسلمين ابتدعوا في الدين، فإن الراسخين في العلم يقفون لهم بالمرصاد، ويردُّون عليهم بدعهم وضلالاتهم، ويرمونها بأنها في النار وبئس القرار.
"مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ".
حديث يدلُّ المسلمين على أن يقفوا عند حدود دينهم، وعند حدود شرائعهم، فليس من حقهم التشريع، وليس من حقهم أن يبتكروا ... إن التشريع المُطلق من حق الله عز وجل ... وهذا من تمام الوحدانية.
جنين القسام
د. يوسف القرضاوي - موقع القرضاوي/ 30-9-2007
روى الشيخان، عن الصدِّيقة بنت الصدِّيق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدٌّ"[1]، وفي بعض ألفاظ الحديث: "مَن أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد"[2]، وفي رواية للإمام مسلم: "مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ"[3]. أي مردود على صاحبه غير مقبول.
منزلة الحديث[4]
هذا الحديث القصير، بألفاظه القليلة المُوجَزة، أحد الأحاديث الجامعة التي يدور عليها شرع الإسلام، ولهذا عدَّه الإمام أحمد أحد الأحاديث الثلاثة التي ذكرناها من قبل[5]، فهو مُتمِّم لحديث: "إنما الأعمال بالنيات"، ولهذا قال علماؤنا: إن حديث: "الأعمال بالنيات"، ميزان للأعمال في باطنها، وحديث عائشة هذا:"مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدٌّ"، ميزان للأعمال في ظاهرها.
شروط قيول العمل
لا بد أن يتوفر للعمل الصالح المقبول، الظاهر والباطن معا: لا بد أن تتحقَّق النية الحسنة، والصورة المشروعة. فإذا توافر حُسن النية، وكانت صورة العمل غير مشروعة، فإن الله يرفض هذه النية، ولا يقبلها، ولا تشفع أبدا عند صاحبها.
مَن أكل الربا، ثم بنى من هذا الربا مسجدا، ليُصلِّي فيه الناس، ويقيموا شعائر الله، فهل تنفعه هذه النية؟ لا! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، إن عمله مردود عليه، لأن الربا عمل ليس على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول له: إنك أحدثتَ ما لم يأمر به الله، وما لم يرضَه الله، فعملك مردود عليك.
لا بد لقبول العمل، من أن يكون في صورة يشرعها الدين ويرضاها، كما يجب أن تكون وراءه نية خالصة. ولهذا قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه، في تفسير قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:7]، قال: أحسن العمل أخلصه وأصوبه، ولا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا صوابا، فما كان صوابا ولم يكن خالصا، لم يقبل، وما كان خالصا ولم يكن صوابا، لم يقبل، وخلوص العمل أن يكون لله، وصواب العمل أن يكون على السنة[6]. أي على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرعه.
ومن هنا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول ولا عمل إلا بنية، ولا ينفع قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة[7].
التشريع من خصائص الربوبية
لا بدَّ أن يوافق الإنسان شرع الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس الناس أحرارًا في أن يشرعوا ما يُريدون، وأن يلتزموا ما يُريدون، فإنهم مقيدون بحدود الله، وبشرع الله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
الأصل أن يتقيد الإنسان في شرائعه كلِّها بما حدَّ الله ورسوله، ومن زاد على ذلك أو نقص تبعا لهواه، أو وِفقا لمزاجه، أو تحسينا للظن بعقله هو، أو بعقل زيد وعمرو من البشر، فإن عمله هذا كلَّه مردود عليه.
إن النبي صلى الله عليه وسلم، وضع لنا بهذا الحديث الجامع من جوامع الكلم، هذا الميزان: ألاَّ نقبل عملاً إلا إذا كان على شرع الله.
ليس للناس أن يبتدعوا وأن يحدثوا في دين الله ما لم يُرده الله ولم يأمر به، فإن "كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"[8].
أثر الابتداع في الأديان السابقة
لقد فسدت الأديان السابقة قبل الإسلام بهذه المُحدَثات، وبهذه المُبتدعات، حيث أحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله، وزادوا عما شرع الله، ونقصوا مما فرض الله، فأصبحت عباداتهم وفرائضهم وشرائعهم شيئا آخر عن الدين الذي أمر الله به.
صنع النصارى ذلك في عباداتهم، فغيَّروا في الصلاة، وغيَّروا في الصيام، نقلوا الصيام من أيام إلى أيام، حتى لا تكون في أيام الحرِّ، فنقلوها إلى أيام أخرى، وزادوا في عدد الأيام حتى صار صوما غير الصوم الأول، وهكذا في الأطعمة، بعد أن كان لحم الخنزير مُحرَّما عليهم، كما في التوراة، أحلَّ لهم بولس مُعظم الأطعمة، بل كل الأطعمة، ويروون عن المسيح أنه قال لهم: (ما حللتم في الأرض فهو محلول في السماء، وما عقدتم في الأرض فهو معقود في السماء).
الدين كمل وليس لأحد أن يزيد فيه
أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُبِح لعلماء أمته أن يُحلوا ويربطوا، ويحرِّموا ويبيحوا، ويشرعوا ويزيدوا، وينقصوا أبدا ...
فليس لعلماء المسلمين في الأرض، في مشارقها ومغاربها، وشمالها وجنوبها ... ولو اجتمعوا على صعيد واحد، في شكل مؤتمر أو مَجمَع، أو أي شيء من هذا: أن يزيدوا في دين الله، أو ينقصوا منه أبدا ...
لا يمكن لأحد أبدًا أن يزيد في هذا الإسلام أو ينقص منه، بعد أن أتمَّ الله نعمته بإكماله، وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، وقال صلى الله عليه وسلم: "قد تركتم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك"[9].
الهالك هو مَن زاغ عن هذه المحجَّة البيضاء، التي صوَّرها النبي صلى الله عليه وسلم، بأنها: "ليلها كنهارها"، أي أنها مُشرقة مُنيرة، مُستبينة، واضحة، دائما أبدا.
ليس لأحد في الإسلام أن يزيد أو ينقص من شرائعه وفرائضه وعباداته، كما فعل النصارى في دينهم فشوَّهوه وأصبحت العقيدة نفسها تتصوَّر تبعا لتصوُّر المجامع التي تُعقد والمجالس التي تُدعى، فيُدعى مجمع ليجتمع، ويُقرِّر أن المسيح إله، وآخر يُقرِّر أن نصفه إله ونصفه إنسان، وأنه ناسوت دخل اللاهوت، ولاهوت امتزج بالناسوت، إلى آخره[10] ... ليس في الإسلام شيء من ذلك، ولا يملك أحد أن يفعل هذا أبدًا ... ولو أن بعض المسلمين ابتدعوا في الدين، فإن الراسخين في العلم يقفون لهم بالمرصاد، ويردُّون عليهم بدعهم وضلالاتهم، ويرمونها بأنها في النار وبئس القرار.
"مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ".
حديث يدلُّ المسلمين على أن يقفوا عند حدود دينهم، وعند حدود شرائعهم، فليس من حقهم التشريع، وليس من حقهم أن يبتكروا ... إن التشريع المُطلق من حق الله عز وجل ... وهذا من تمام الوحدانية.
جنين القسام
تعليق