عدنان فرزات * يكتب عن
الأعجوبة الثامنة
تماما مثلما ينثر عاشق جاحد رماد الذاكرة على صفحات وجده القديم.. أو مثلما تتحول شجرة وارفة الذكريات الى مقبض خشبي لباب أصم.. كان المشهد خاليا من الوفاء، وفيه جحود كبير لتراث البشرية الإنساني، حين أعلن قبل أيام عن إسقاط العجائب القديمة واختيار سبع عجائب جديدة للدنيا بدلا منها.
المشهد ـ على الرغم من ضرورته العلمية ـ الا انه كان مؤثرا للغاية، خصوصا حين ذكر القائمون على هذا الاختيار ان السبب في إلغاء العجائب القديمة هو اندثارها وتلاشيها عن الوجود، مثل حدائق بابل ومنارة الاسكندرية وتمثال زيوس.. وغيرها، وللإمعان في الجحود، فقد استبعدت اهرامات الجيزة، على الرغم من انها الوحيدة المتبقية من العجائب السبع القديمة.
من المحزن ان نحيل تلك المعالم ـ وان اندثرت ـ الى التقاعد بهذا الشكل.. ومن الوحشية ان نطلق عليها رصاصة 'العجز' مثلما كان يفعل مع خيل الدرك سابقا حين تشيخ.
فكرة اطلاق مسابقة العجائب الجديدة، نبعت من ذهن السويسري برنارد ويبر عام ،1999 وبدأت الترشيحات بمائتي موقع حتى جرى اختزالها قبل أيام الى سبعة مواقع. وكان من بين المواقع التي تدعو إلى الاعتزاز موقع البتراء (المدينة الوردية) في الأردن. وعلى الرغم من هذا الزهو الا انني شعرت للحظات بأن الأماكن التي كانت في يوم ما اعجوبة من أعاجيب الزمان ثم استبعدت، أشبه بملكة جمال وجدت نفسها بعد سنوات من الفتنة والبهاء وحيدة على أريكتها لا يطرق بابها إلا الممرض. بل حتى الممرض هذا غاب عن العجائب القديمة، فقد كان حري باليونيسكو والمؤسسات الثقافية في العالم ان تعيد الاعتبار الى تلك المعالم التي اندثرت، سواء عبر ترميمها أو إعادة بنائها. واذا سلمنا بفرضية ان 'الأمور كما شاهدتها دول' وبأن ما حدث هو سنة التغيير والتبديل في الحياة، فلا بأس في ذلك، ولكن كان من الأجدر الآن بعد اختيار البدائل، ان تكرم تلك المعالم الأثرية التي تربعت على عرش العجائب لسنوات، لا ان تسقط بهذه الطريقة اللاإنسانية.
لا شك في ان العالم يحتاج الى عجائب يزورها ويشاهدها، وتكون موجودة على أرض الواقع، لا ان يسمع بها فقط، ولكن في الوقت نفسه يفترض ألا ندير ظهورنا للأماكن التي تبوأت هذا الفخر لسنوات طويلة، فهذا تراث انساني يمثل تاريخ وحضارات شعوب ونتاج فكر بشري مرموق، وله حرمته وكينونته التي يجب ان تعامل باحترام.
يبدو ان الأعجوبة الثامنة التي فاتت أصحاب الاختيار، هو هذا النكران البشري الذي اصبح سمة الانسان المعاصر بامتياز!
عدنان فرزات
صحافى سورى
وسكرتير تحرير مجلة البيان الكويتية
تعليق